مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الخضاب

          ░67▒ باب الخضاب
          فيه حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلعم: ((إن اليهود)) الحديث.
          اختلف في تغيير الشيب، وروى شعبة عن الركين بن الربيع قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن مسعود أنه ◙ كان يكره تغيير الشيب.
          وروى ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه ◙ قال: ((من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، إلا أن ينتفها أو يخضبها)) فرأى بعضهم أن أمره ◙ بصبغه أمر ندب، وأن تغييره أولى من تركه أبيض.
          وروى عن قيس بن أبي حازم قال: كان أبو بكر الصديق يخرج إلينا وكأن لحيته ضرام العرفج من الحناء والكتم، وعن أنس أن أبا بكر وعمر كانا يخضبان بالحناء والكتم وكان الشعبي وابن أبي مليكة يخضبان بذلك أيضاً.
          وعن عمر بن الخطاب أنه كان يأمر بالخضاب بالسواد ويقول: هو تسكين للزوجة وأهيب للعدو.
          وعن ابن أبي مليكة أن عثمان كان يخضب به.
          وعن عقبة بن عامر والحسن والحسين أنهم كانوا يخضبون به.
          ومن التابعين: علي بن عبد الله بن عباس، وعروة بن الزبير وابن سيرين، وأبو بردة.
          وروى ابن وهب عن مالك قال: لم أسمع في صبغ الشعر بالسواد نهي معلومٌ، وغيره أحب إلي.
          وممن كان يصبغ بالصفرة: علي وابن عمر والمغيرة وجرير البجلي وأبو هريرة وأنس.
          ومن التابعين: عطاء وأبو وائل والحسن وطاوس وسعيد بن المسيب.
          وعن جابر قال: جيء بأبي قحافة إلى رسول الله ورأسه ولحيته كأنهما نعامة بيضاء، فأمر رسول الله أن يغيروه فحمروه / ، ورأى آخرون تركه أبيض أولى من تغييره وأن الصحيح عنه نهيه عن تغييره، وقالوا: توفي وقد بدا في عنفقته ورأسه الشيب ولم يغيره بشيء ولو كان تغييره الاختيار كان قد آثر الأفضل.
          قال أبو إسحاق الهمداني: رأيت عليًّا أبيض الرأس واللحية، وقاله الشعبي.
          وكان أبي بن كعب أبيض اللحية.
          وعن أنس ومالك بن أوس وسلمة بن الأكوع أنهم لا يغيرون الشيب.
          وكان أبو مجلز وعكرمة وعطاء وسعيد بن المسيب وعطاء بن السائب لا يخضبون، قال المحب الطبري: والصواب عندنا أن الآثار التي رويت عن رسول الله صلعم بتغييره والنهي عنه صحاح، ولكن بعضها عام وبعضها خاص بقوله: ((خالفوا اليهود وغيروا الشيب)) المراد منه الخصوص أي: غيروا الشيب الذي هو نظير شيب أبي قحافة، وأما من كان أشمط فهو الذي أمره رسول الله أن لا يغيره، وقال: ((من شاب شيبة..)) الحديث؛ لأنه لا يجوز أن يكون من رسول الله قول متضاد، ولا نسخ فتعين الجمع، فمن غيره من الصحابة فمحمول على الأول ومن لم يغيره فالثاني مع أن تغييره ندب لا فرض، ولا أرى مغير ذلك وإن كان قليلاً حرجاً بتغيره إذ كان النهي عن ذلك نهي كراهة لا تحريماً؛ لإجماع سلف الأمة وخلفها على ذلك، وكذلك الأمر فيما أمر به على وجه الندب ولو لم يكن كذلك كان تاركو التغيير قد أنكروا على المغيرين، أو أنكر المغيرون على تاركي التغيير، وبنحو معناه قال الثوري.
          ويصبغ بضم الباء وفتحها حكاهما في ((المشارق)).
          قال الإسماعيلي في ((صحيحه)): حديث الشعر الذي أخرجته أم سلمة لم يبين أنه ◙ هو الذي خضبه، ولعله لون بعده أو وضع في طيب فيه صفرة تعلقته، فإن حديث أنس أصح، فإن بعضهم حكى عن أنس أن شعره أحمر ولم يخبر عن أم سلمة أنه ◙ خضب.
          وروى ابن أبي عاصم من حديث الأجلح، بسنده عن أبي ذر أن رسول الله صلعم قال: ((إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم))، وفي رواية: ((أفضل)).
          وعن ابن عباس وأنس وعبد الله بن بريدة عن أبيه مثله.
          وفي حديث عبد الكريم، عن ابن جبير، عن ابن عباس مرفوعاً: ((يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة)) ومن حديث أنس بن مالك مرفوعاً: ((غيروا ولا تغيروا بالسواد)) فيه ابن لهيعة.
          ومن حديث المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، عن رسول الله: ((من خضب بالسواد لم ينظر الله إليه)).
          وللطبراني من حديث الوضين، عن جنادة، عن أبي الدرداء مرفوعاً: ((من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة)).
          وذكر ابن أبي عاصم بأسانيده أن حسناً وحسيناً كانا يخضبان به، وكذلك ابن شهاب، وقال: أحبه إلينا أحلكه، وكذلك شرحبيل بن السمط.
          وفي حديث مطر عن أبي رجاء عن جابر أن النبي صلعم قال في ابن أبي قحافة اذهبوا به إلى بعض نسائه بغير سببه قال فذهبوا به فجهزوه.
          وكان ◙ أمرهم بتخفيف السواد.
          وفي قوله لأبي قحافة: ((جنبوه السواد)) فإنما أمر بذلك لما رأى من هيئته؛ لأن الخضاب بالسواد إنما يكون لمن يليق به من نضارة الوجه، فأما في صفة أبي قحافة فهو شين؛ لأنه غير ملائم لمثله ولا مشاكل، وقال الزهري: كنا / نخضب بالسواد إذ كان الوجه جديداً، فلما نغص الوجه والأسنان تركناه.
          قال: وفي قوله: ((وجنبوه السواد)) دليل على أن العرب كانت تخضب به وأنه من فعلهم، قلت: وأول من صبغ به فيما ذكره الكلبي عبد المطلب بن هاشم.
          قال: فإن قلت: اختلاف الأخبار في خضاب رسول الله صلعم وبما اختضب به، وفي إخبار من أخبر من أصحابه أنه لم يختضب.
          وفي رواية من روى تيسير شيبة ومواضع الشيب منه ما يوجب التوقف عن القطع بها، وقد أثبتوا الشيب، فالشيب ثابت والخضاب غير ثابت حتى يتفقوا منه على مثل ما اتفقوا على الشيب، فحكي عن بعضهم أنه كان تسع عشرة شعرة بيضاء، وقال آخرون: عشرون.
          قلت: وذكر العلامة أبو القاسم في كتاب ((الشيب)) عن أنس خمس عشرة، وعند ابن سعد: سبع عشرة أو ثمان عشرة، وفي حديث الهيثم بن دهم: ثلاثون شعرة عدداً، وفي حديث جابر بن سمرة: ما كان في رأسه ولحيته من الشيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن واراهن الدهن، وكل قد اتفق على أنه كان شيبة.
          وليس فيما اختلف من خضابه بالحناء والكتم، وبالحناء دون الكتم، وبالصفرة تضاد، وذلك أنه جائز أن يخضب بالصفرة في وقت، فيحكي الرائي له ما رأى، وفي وقت آخر خضب بالحناء والكتم فحكى الرائي ذلك.
          وروى أبو القاسم موسى بن عيسى بن مهدي في كتاب ((الشيب)) الراوي عن الكريمي وشبهه أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه أول من شاب، وذلك أنه كان يشبه ابنه إسحاق، فكان الناس يقولون له: يا أبا يعقوب فعلنا كذا وكذا، فدعا الله أن يفرق بين شبههما ففرقه بالشيب. وقيل: إنه لما شاب قال: يا رب ما هذا؟ قال: وقار. فقال: رب زدني فأصبح وقد امتلأ شيباً.
          وعن أبي أمامة: بينا إبراهيم يصلي الضحى إذ خرجت كف من السماء بين أصبعين من أصابعه شعرة بيضاء فجعلت تدنو حتى ألقته في رأسه، وقالت: اشتعل وقاراً، قال: فاشتعل رأسه منها شيباً، فكان أول من شاب.
          وعن عبد الله بن عبيدة لما رأى إبراهيم الشيب قال: مرحباً بالعلم والحلم، الحمد لله الذي أخرجني من الشباب سالماً. وفي حديث ابن جريج عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: ((من شاب شيبة في الإسلام كانت له نور يوم القيامة)).
          ومن حديث نوح بن ذكوان، عن أخيه أيوب، عن الحسن، عن أنس يرفعه: ((إن الله تعالى يقول: إني لأستحيي من عبدي أو أمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما بعد ذلك)).
          والخضاب بالسواد يحرم على الأصح لا كراهة تنزيه. وقال عياض: ترك الخضاب أفضل. وقال بعضهم: الخضاب أفضل.
          قال الطحاوي: ولا تناقض بل الأمر به لمن كان شيبة كأبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط. والأمر في ذلك ليس للوجوب إجماعاً، وليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
          قال عياض: وقال غيره هو على حالين، فمن كان في موضع عادة أهله الصبغ أو تركه فخروجه عن العادة مكروه، والثاني يختلف باختلاف نطاقة الشيب، فمن كانت شيبته نقية أحسن منها مصبوغة فالترك أولى وبالعكس.
          قال والدي ⌂:
          (باب الخاتم للنساء).
          قوله: (أبو عاصم) هو الضحاك و(عبد الملك) هو ابن جريج مصغر الجرج / بالجيمين و(الحسن بن مسلم) بكسر اللام الخفيفة المكي، فإن قلت: ما الغرض من لفظ (قبل الخطبة)؟ قلت: بيان أن الصلاة كانت قبل الخطبة لا بعدها فتقديره شهدت صلاة العيد حالة كونها قبل الخطبة مر الحديث بهذا الإسناد بعينه في كتاب العيد.
          قوله: (ابن وهب) عبد الله و(الفتخ) بالفاء والفوقانية المفتوحتين وبالمعجمة جمع الفتخة بالتحريك الحلقة من الفضة لا فص فيها و(السخاب) بكسر المهملة وبالمعجمة قلادة تتخذ من سك أو غيره ليس فيها من الجوهر شيء و(السك) بضم المهملة وشدة الكاف، طيب وقيل السخاب خيط ينظم فيه خرز.
          قوله: (محمد بن عرعرة) بفتح المهملتين وإسكان الراء الأولى و(الخرص) بالصاد والسين بضم المعجمة وكسرها الحلقة من الذهب والفضة.
          قوله: (عبدة) ضد الحرة ابن سليمان و(أسماء) بوزن حمراء بنت أبي بكر الصديق كانت القلادة لها فاستعارتها عائشة منها فضيعتها مر في أول التيمم.
          قوله: (ابن نمير) مصغر الحيوان المعروف عبد الله و(القرط) بضم القاف الذي يعلق في شحمة الأذن و(يهوين) من الإهواء وهو القصد والإشارة.
          فإن قلت: الإشارة إلى الآذان لقصد التصدق بالقرط فلماذا الإشارة [إلى] الحلق؟ قلت: قد يكون لبعض نساء العرب كالقلادة في رقبتهن أو يراد بها نفس القلادة التي في الصدر المجاور للحلق(1).
          قوله: (عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وشدة التحتانية ابن ثابت الأنصاري التابعي و(سعيد) أي: ابن جبير و(ورقاء) مؤنث الأورق ابن عمر الخوارزمي المدائني و(عبيد الله بن أبي يزيد) من الزيادة المكي و(نافع بن جبير) مصغر ضد الكسر ابن مطعم النوفلي.
          قوله: (أين لكع) بضم اللام وفتح الكاف وبالمهملة منصرفا الصغير يعني به الحسن بن علي ☻ و(هكذا) أي: باسطاً يديه كما هو عادة من يريد المعانقة و(أحببه) من الإحباب(2)؛ أي: اجعله محبوباً وأحبه بلفظ المتكلم، و(عمرو) أي: ابن مرزوق و(معاذ) بضم الميم وبإعجام الذال ابن فضالة بفتح الفاء وخفة المعجمة و(هشام) أي الدستوائي و(يحيى) أي: ابن أبي كثير ضد القليل و(المخنثين) بكسر النون وهو القياس وفتحها وهو المشهور و(المترجلات) أي: المتكلفات في الرجولية المتشبهات بالرجال و(زهير) مصغر الزهر بالزاي والراء و(المخنث) هو الذي يشبه النساء في أقواله وأفعاله وتارة يكون هذا خلقيًّا وتارة تكلفيًّا وهذا هو المذموم الملعون لا الأول واسم ذلك المخنث هيت بكسر الهاء وإسكان التحتانية وبالفوقانية وقيل: هنب بالنون والموحدة وكان عبد الله مولاه و(عبد الله) هو ابن أبي أمية(3) بتشديد التحتانية المخزومي أخو أم سلمة بفتحتين (هند) أم المؤمنين و(بنت غيلان) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية واسمها بادية ضد الحاضرة وقيل بادنة من البدن.
          قوله: (بأربع) أي أربع عكن جمع عكنة وهي الطي الذي في البطن من السمن أي: لها أربع عكن تقبل بهن من كل ناحية ثنتان ولكل واحدة طرفان فإذا أدبرت صارت الأطراف ثمانية وإنما قال ثمان مع أن مميزه هو الأطراف مذكر لأنه إذا لم يكن المميز مذكوراً جاز في العدد التذكير والتأنيث ومر الحديث في غزوة الطائف / .
          قوله: (يحفي) من الإحفاء بالمهملة وهو الاستقصاء في أخذ الشارب و(هذين) يعني: طرفي الشفتين اللذين هما بين الشارب واللحية وملتقاهما كما هو العادة عند قص الشارب في أن تنظف الزاويتان أيضاً من الشعر ويحتمل أن يراد به طرفا العنفقة.
          قوله: (مكي) منسوب إلى مكة ابن إبراهيم الحنظلي البلخي و(حنظلة) بفتح المهملة والمعجمة وسكون النون ابن أبي سفيان الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة، وقال (خ): روى أصحابنا منقطعاً قالوا ثنا المكي عن ابن عمر بطرح ذكر الراوي الذي بينهما.
          قوله: (الفطرة) أي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه(4).
          قوله: (رواية) أي عن النبي صلعم و(الاستحداد) استعمال الحديد في حلق العانة و(الإبط) بسكون الموحدة.
          فإن قلت: الختان فرض لأنه شعار الدين كالكلمة وبه يتميز المسلم من الكافر ولولا أنه فرض لم يجز كشف العورة له والنظر إليها والأربعة الباقية سنة فما وجه الجمع بينهما؟ قلت: لا يمتنع قران الواجب مع غيره كقوله تعالى: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].
          قوله: (أحمد بن أبي رجاء) ضد الخوف و(إسحاق) ابن سليمان الرازي الكوفي مات سنة مائتين و(محمد بن منهال) بكسر الميم وإسكان النون البصري الضرير و(عمرو بن محمد بن زيد) ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
          قوله: (وفروا) من التوفير بالفاء وهو الاستبقاء والتكثير و(اللحى) بضم اللام وكسرها جمع اللحية و(أحفوا) من الإحفاء وهو الاستقصاء و(ما فضل) أي: من قبضية اليد قطعه تقصيراً لعل ابن عمر جمع بين حلق الرأس وتقصير اللحية إتباعاً لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27].
          قوله: (إعفاء) هو من عفا الشعر إذا كثر ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَواْ} [الأعراف:95] أي: كثروا و(العافي) الطويل الشعر وقيل معناه اتركوا اللحاء بحالها ولا تتعرضوا لها.
          قوله: (محمد) أي: ابن سلام و(عبدة) ضد الحرة ابن سليمان و(أنهكوا) أي: بالغوا في القص والنهك المبالغة.
          فإن قلت: إذا كان الإعفاء مأموراً به فلم أخذ ابن عمر من لحيته وهو راوي الحديث؟ قلت: لعله خصص بالحج أو أن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم.
          قوله: (معلى) بلفظ مفعول التعلية بالمهملة و(خصب) بفتح الصاد المهملة و(الشمطات) الشعرات البيض والشمط بياض يخالط السواد وجواب لو محذوف أي: لقدرت عليه يريد قلتها.
          قوله: (عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء الأعرج الطلحي و(أم سلمة) بفتحتين زوج رسول الله صلعم وقبض إسرائيل السبيعي الراوي عن عثمان ثلاث أصابع؛ أي: قال أرسلني إليها ثلاث مرات وعدها بالأصابع و(من فضة) صفة لقدح.
          فإن قلت: القدح من الفضة حرام على الرجال والنساء؟ قلت: أي مموه بالفضة وفي بعضها من قصة بالقاف والمهملة المشددة وعليك توجيهه.
          و(كان) أي أهلي و(عين) أي: أصابه بالعين مثل أن ينظر إليه عدو أو حسود فيمرض بسببه ومر تحقيقه في كتاب الطب.
          و(إليها) أي: إلى أم سلمة و(المخضب) بكسر الميم وإسكان المعجمة الأولى الإجانة و(الجلجل) بضم الجيمين واحد الجلاجل شيء يتخذ من الفضة أو الصفر أو النحاس.
          فإن قلت / لهذه الجمل انفكاك فكيف كانت هذه القصة؟ قلت: كان عند أم سلمة شعرات من شعر النبي صلعم حمر في شيء مثل جلجلة وكان الناس عند مرضهم يتبركون بها ويستشفون من بركتها فتارة يجعلونها في قدح من الماء فيشربون الماء الذي هي فيه وتارة يجعلونها في إجانة من الماء فيجلسون في الماء الذي فيه تلك الجلجلة التي فيها الشعر وكان لأهل عثمان إجانة كبيرة لائقة بالجلوس فيها وكان يبعث بها إليها عند حاجتها إليها.
          قوله: (سلام) بتشديد اللام ابن مسكين النمري بالنون البصري مات سنة سبع وستين ومائة. قال الغساني: قال ابن السكن: هو سلام بن أبي مطيع وهذا هو الأصوب و(مخضوبا) أي: بالحناء ونحوه.
          فإن قلت: قال أنس لم يبلغ ما يخضب فما التلفيق بينهما(5)؟ قلت: غرضه أنه لم يبلغ الشيب الكامل ويحتمل أن تكون تلك الشعرات تغيرت بعده صلعم بكثرة تطييب أم سلمة لها إكراماً لأن كثرة استعمال الطيب يزيل السواد(6).
          قوله: (أبو نعيم) بضم النون الفضل و(نصير) مصغر النصر بالنون والمهملة والراء ابن أبي الأشعث بالمعجمة ثم المهملة ثم المثلثة القرادي بضم القاف وبالراء وبالمهملة و(ابن موهب) هو عثمان.
          (باب الخضاب).
          قوله: (الحميدي) مصغر الحمد منسوباً عبد الله و(سليمان بن يسار) ضد اليمين.
          فإن قلت: ثبت أنه صلعم كان يوافق أهل الكتاب ما لم ينزل عليه شيء بخلافه ولهذا قيل شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ما يخالفه؟ قلت: كان ذلك في أول الإسلام ائتلافاً لهم ومخالفة لعبدة الأوثان فلما أغنى الله عن ذلك وأظهر الإسلام على الدين كله أحب المخالفة.
          قال الزركشي:
          قوله: (أين لكع) ويروى: ((أي لكع))، سئل بلال ابن جرير عن لكع؟ فقال: هي في لغتنا الصغير، وإلى هذا ذهب الحسن إذا قال الإنسان: يا لكع يريد: صغيراً، في العلم، وأما حديث: ((يأتي عليكم زمان أسعد الناس لكع بن لكع)) فالمراد به الصغير القدر اللئيم، والمراد في حديث الحسن: الصغير الجسم.
          (اللهم إني أحبه فأحبه) قال القاضي: يقولونه بفتح الباء، ومذهب سيبويه ضمها، وسبق مثله في قوله: ((إنا لم نرده عليك)).
          (باب قص الشارب)
          (وكان ابن عمر) ويروى: ((عمر)).
          (يحفي) بضم أوله.
          (حتى ينظر) بضم أوله وفتح ثالثه.
          (ثنا مكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع قال أصحابنا) إلى آخره.
          هذا الموضع مما يجب أن يعتني به الناظر في هذا الكتاب: وما أراد بقوله: ((قال أصحابنا عن المكي)) فيحتمل أن (خ) رواه مرة عن شيخه مكي مرسلاً عن نافع، ومرة عن أصحابه عن المكي مرفوعاً عن ابن عمر، فذكر الطريقين، ويحتمل أن بعضهم نسب الراوي عن ابن عمر إلى أنه المكي، والله أعلم ويشهد للأولى أن (خ) يروي عن مكي بالواسطة أيضاً فقد روى في البيوع عن محمد بن عمرو السواق عنه.
          وقد ذكر نحوه (خ) بعد هذا قريباً في باب الجعد: ((ثنا مالك بن إسماعيل، فثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: ما رأيت أحداً أحسن في حلة حمراء من النبي صلعم، قال بعض أصحابي عن مالك: إن جمته لتضرب قريباً من منكبيه)).
          وذكر في كتاب الاستئذان في باب قوله: ((قوموا إلى سيدكم)) قريباً منه فلينظر.
          (أحفوا الشوارب) بألف القطع رباعي على المشهور، وهو المبالغة في استقصائه، ومنه أحفى في المسألة إذا أكثر، وحكى ابن دريد حفا شاربه يحفوه إذا استأصل حزه / قال: ومنه ((أحفوا الشوارب))، فعلى هذا يكون ثلاثيًّا وتكون ألفه ألف وصل تبتدأ مضمومة بضم ثالث الفعل.
          (انهكوا الشوارب) بهمزة وصل وبفتح الهاء؛ أي: بالغوا في جزها.
          (وأعفوا) بفتح الهمزة، إعفاء اللحية توفيرها وتكثيرها، فلا [يجوز] حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها، وقال (خ): ((عفوا أكثروا))، وكذا قال أبو عبيد، وزاد عفا درس وهو من الأضداد، وقال غيره: يقال: عفوت الشيء وأعفيته لغتان.
          (الشمط) الشيب.
          (والشمطات) بفتح الشين والميم: الشعرات البيض التي كانت في شعر رأسه، يريد قلتها.
          (من قصة) بضم القاف وصاد مهملة، وهو ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس، قال ابن دحية: كذا لأكثر رواة (خ)، والصحيح عند المتقنين: ((فضة)) بالفاء وضاد معجمة، وهو أشبه لقوله بعد: ((فاطلعت في المخضب)) وهو شبه الإجانة، والصحيح ما روى الكافة: ((فاطلع في الخلخل))، وقد بينه الإمام وكيع بن الجراح في ((مصنفه)) فقال: ((كان خلخلاً من فضة صنع صواناً لشعرات كانت عندهم من شعر النبي صلعم))، ويروى ((الجحل)) بفتح الجيم وسكون الحاء، وهو السقاء الضخم، قاله الجوهري، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (ثلاث أصابع من فضة) المراد: بالفضة شيء موضوع فيها بيانه قد ترك فيه الشعر فأما بالقاف والصاد والمهملة، فهي الفضلة من الشعر.
          قوله: (في الجلل) الجلجلة حركة مع صوت فكأنه اطلع فإذا حركة مع صوت.
          و(الخلل) الفرجة بين الشيئين والجمع خلال والخلل أيضاً فساد في الأمر فكأنه اطلع في الفرجة.
          قوله: (أعفوا اللحى) أي: أكثروا، قال ابن الجوزي في كتاب الحمقى ومن العلامات التي لا تحظى طول اللحية فإنها لا يخلو صاحبها من الحمق.
          وقد روي أنه مكتوب في التوراة أن اللحية مخرجها من الدماغ فمن أفرطت عليه في طولها قل دماغه ومن قل دماغه قل عقله ومن قل عقله كان أحمق.
          بعض الحكماء الحمق سماد اللحية فكلما كبر طالت ورأى بعض الناس لحية عظيمة فقال والله لو خرجت هذه من نهر ليبس، وقال الأحنف: إذا رأيتم الرجل عظيم اللحية عظيم القامة فاحكموا عليه بالحمق ولو كان أمية بن عبد شمس.
          قال معاوية: كفانا في الشهادة عليك في حماقتك وسخافة عقلك ما نراه من طول لحيتك، وقال آخر: من طالت لحيته تكوسج عقله.
          حكيم موضع العقل وطريق الروح الأنف وموضع الرعونة اللحية قال زياد: وما زادت لحية الرجل على قبضة إلا كان ذلك نقصاناً من عقله، انتهى كلام ابن الجوزي ⌂.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: إنما أهوين في حلوقهن ليخرجن منها القلائد فإن القلادة لا يمكن إخراجها إلا من الحلق)).
[2] في هامش المخطوط: في (خ): ((الأفعال)).
[3] في المخطوط: ((أسيد)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: بينها فرق دقيق وذلك أن لفظ الحديث يرد بلفظ واحد وهو قوله خمس من الفطرة وعدها، والآية الكريمة أتى بلفظ {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} ثم أتى بلفظ {وَآتُواْ حَقَّهُ} فالأمر الأول للإباحة والثاني للوجوب بخلاف الحديث، فإنه لفظ ولا يمكن أن يؤمر ناسياً بلفظ واحد ويكون الأمر في بعض المأمورات للإباحة وبعض للوجوب فتأمله.
أقول: الشافعي قد يستعمل لفظا واحدا يريد بإطلاقه الحقيقة والمجاز دفعة واحدة في أشياء وهاهنا أيضاً انطلق لفظاً وأراد بعض المأمورات الواجبة وبعضها المباحة، وعند الشافعي الانسلاك في سلك من اللفظ لا يلزم منه الانسلاك في حكم واحد لقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} الآية)).
[5] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: كيف جاز إيتاء شعره ◙ وكان يتعين دقته؟ قلت: هذا الشعر كان قد أعطاه النبي ◙ لها ولغيرها في حياته الشريفة ليتبركوا به فكانوا يفعلون ذلك)).
[6] في هامش المخطوط: ((أقول: أو كانت من الشعرات البيض والطيب يزيل البياض)).