مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب جيب القميص من عند الصدر وغيره

          ░9▒ باب جيب القميص من عند الصدر وغيره
          الجيب بالفتح يقال: جبت القميص، أجبه وأجوبه، إذا قورت جيبه.
          ذكر فيه من حديث أبي عامر واسمه عبد الملك بن عمرو العقدي أخرجا له ثنا إبراهيم بن نافع وهو مخزومي مكي، أخرجا له أيضاً عن الحسن، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: ضرب رسول الله ((مثل البخيل)) الحديث المذكور في الزكاة.
          وفيه: فقال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلعم.. الحديث.
          تابعه ابن طاوس إلى آخره، أما متابعة ابن طاوس عن أبيه فسلفت في الزكاة.
          قوله: (وأبو الزناد) خرجه (م) من طريق ابن عيينة عنه، وحديث حنظلة أخرجه الإسماعيلي عن الفضل بن سهل، ثنا إسحاق الرازي / ثنا حنطب به، ثم قال: كأن أبا عبد الله أورد الخبر، فيصير ما يوضع فيه ليس في الصدر، وليس هو كذلك، وإنما الجيب الذي يحيط بالعنق. جيب غير الثوب؛ أي: جعل فيه ثقب، فإدخاله ◙ إصبعه من الجيب حيث يلي الصدر.
          وقال في الزكاة: وقال الليث: حدثني جعفر عن ابن هرمز، سمعت أبا هريرة، عن النبي صلعم: ((جبتان))، ووقع في نسخة أبي ذر: جعفر بن حيان، فخطأ وصوابه ابن ربيعة وهو شيخ الليث.
          قال ابن بطال: في هذا الحديث دلالة أن الجيب في ثياب السلف كان عند الصدر على ما يصنع عندنا اليوم في الأندلس، ووجهه أنه ◙ شبه البخيل والمتصدق برجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فبسط على جسد المتصدق، وشد على يدي البخيل إذا هم بالصدقة، وتمسكهما في الموضع الذي اضطرتهما إليه، وهو الثدي والتراقي، وذلك في صدره وفيه يروم أن يوسع حلقها ولا تتسع، بينه قول أبي هريرة أنا رأيت رسول الله صلعم يقول بإصبعه هكذا في جبته يوسعها ولا تتسع، فبان أن جيبه ◙ كان في صدره؛ لأنه لو كان في منكبه لم تكن يداه مضطرة إلى ثديه وتراقيه، وهذا استدلال حسن.
          قوله: (تراقيهما) جمع: ترقوة بفتح التاء، قال الخليل وغيره: هي فعولة، ولا فعلة، بضم التاء، وهي: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.
          وقال ثابت: الترقوتان: العظمان المسترقان في أعلا الصدر إلى طرف ثغرة النحر، وهي الهرمة التي بينهما.
          قوله: (جبتان) بالباء والنون، يصح أن تميل بهما، وأفصحهما النون، وهو: ما يستر به الإنسان فيجنه؛ أي: يغطيه.
          قوله: (إلى ثديها) هو بضم الثاء جمع: ثدي، مثل: ظبي وظبى، وحلي وحلى، وثدي أيضاً بكسر الثاء لما بعدها من الكسر، وأصل جمعه فعول، اجتمع حرفا علة وسبق الأول بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وكسرت الدال لتصح الياء، والثدي يذكر ويؤنث، وهي للمرأة والرجل أيضاً، والجمع: أثد مثل أطب هكذا في ((الصحاح)).
          وقال ابن فارس: الثدي للمرأة يذكر ويؤنث، وثندوة الرجل كثدي المرأة، وهو مهموز إذا ضم أوله، فإن فتحت لم تهمز.
          قوله: (حتى تغشى أنامله) الأنامل: رءوس الأصابع، واحدها: أنملة بالفتح، كذا اقتصر عليه ابن التين، وفيها تسع لغات: تثليث الهمزة مع تثليث الميم، ومعنى قلصت: أي: قبضت وانضمت. والحلقة بسكون اللام، وكذا حلقة الباب والقوم، وجمعها حلق على غير قياس.
          وقول أبي هريرة: (فأنا رأيت رسول الله يقول بإصبعه..) إلى آخره، قيل: فيه دليل أن جيبه كان في صدره؛ لأنه لو كان في منكبه لم تكن يداه مضطرتين إلى ثدييه وتراقيه.