مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب النعال السبتية وغيرها

          ░37▒ باب النعال السبتية وغيرها
          السبت بكسر السين جلود البقر المدبوغة بالقرظ تتخذ منها النعال، سميت بذلك لأن شعرها سبت عنها؛ أي: حلق وأزيل؛ وقيل: لأنها أسبتت بالدباغ أي: لانت. قال أبو سليمان: إنما قيل لها ذلك، لأنها سبت ما عليها من الشعر.
          قال ابن التين: فيحتمل على قوله أن تكون السين مفتوحة؛ لأن السبت بالفتح الحلق.
          وحديث حماد بن زيد، عن سعيد وسلف في الصلاة، وأبو مسلمة سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي الطاحي البصري القصير أخرجا له.
          وحديث عبيد بن جريج: أنه قال لعبد الله بن عمر: رأيتك تصنع أربعاً.. الحديث وسلف.
          وحديث ابن عمر: نهى رسول الله صلعم أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس، وسلف أيضاً.
          والورس نبات أصفر، يصبغ به.
          وحديث ابن عباس قال: قال النبي صلعم: ((من لم يكن له إزار)) الحديث وسلف في الحج ولا شك أن النعال من لباسه ◙ وخيار السلف، قال مالك: والانتعال من عمل العرب، وفي (د) من حديث جابر قال: كنا مع رسول الله في سفر، فقال: ((أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)).
          قال أبو عبيد: إنما ذكرت السبتية، لأن أكثر الجاهلية كان يلبسها غير مدبوغة إلا أهل السفه منهم، وذهب قوم أنه لا يجوز لبسها في المقابر خاصة، لحديث بشير بن الخصاصية، قال: أنا أمشي في المقابر وعلي نعلان إذا رجل ينادي من خلفي: ((يا صاحب السبتيتين)) فالتفت فإذا رسول الله فقال: ((إذا كنت في مثل هذا الموضع فاخلع نعليك)) فخلعتهما، فأخذ أحمد بظاهره، ووثق رجاله، وقال باقي الجماعة احتجاجاً بلبسه ◙ لها، وفيه الأسوة الحسنة، ولو كان لباسهما في المقابر لا يجوز فبين الشارع ذلك لأمته، وقد يجوز أن يأمره بخلعهما لأذى فيهما، ولغير ذلك، يوضحه قوله ◙: ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم)) قاله الطحاوي، قال: وثبت عن رسول الله أنه صلى في نعليه، فلما كان دخول المسجد بالنعال غير مكروه، وكانت الصلاة بهما غير مكروهة كان المشي بها بين القبور أحرى بعدمها.
          وأما الصفرة، فقد روي عن ابن عمر أنه كان يصبغ بها لحيته. وروي عنه أنه كان يصبغ بها ثيابه. روى ابن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تصفر لحيتك، فقال: فإن رسول الله كان يصفر بالورس، فأنا أحب أن أصفر به كما كان رسول الله صلعم يصنع، وهو في الكتاب بلفظ: يصبغ بالصفرة، فأنا أحب أن أصبغ بها.
          قال ابن التين: قيل: معناه: يصفر لحيته، وقيل: ثيابه.
          وروى ابن وهب، أخبرني عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله يصبغ ثيابه كلها بالزعفران، حتى العمامة.
          قال المهلب: والصفرة أبهج الألوان إلى النفوس، كذلك قال ابن عباس: أحسن الألوان كلها الصفرة، وتلا قوله تعالى: {صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69].
          قال الخطابي: وقد يمكن أن يستدل بلباسه ◙ النعال السبتية / على أن الدباغ لا تأثير له في شعر الميتة، وأن الشجر ينجس بموت الحيوان، فلذلك اختار لباس ما لا شعر عليه إذ كانت النعال قد تكون من جلود الميتات المدبوغة والمذكيات المذبوحة، ومذهب مالك خلاف هذا، وأن الشعر لا تحل فيه الروح ولا ينجس بالموت.
          قوله: (رأيتك لا تمس) إلى آخره. يريد: الركن الأسود واليماني، وهذا مذهب الفقهاء، وكان ابن الزبير يمس سائر الأركان، واليمانين بتخفيف الياء.
          قال الهروي: يقال: رجل يمان، والأصل يماني، فخففوا ياء النسبة، كقولهم تهاميون، والسعدون، والأشعرون.
          وفي ((الموطأ)): أن عبد الرحمن بن عبد يغوث كان أبيض الشعر يحمر لحيته ورأسه.
          وقال مالك: في صبغه بالسواد لم أسمع في ذلك شيئاً فعلها وغيره من الصبغ أحب إلي، وبه قال الشافعي.
          وقيل: يصبغ، ولا يغير شعره بسواد ولا غيره، وقيل: إن كثر شيبة كأبي قحافة غيره، ومن قل لم يغيره، وهذا معنى الخبرين الواردين في ذلك ولا يتضادان.
          قوله: (حتى تنبعث راحلته) هو قول ابن حبيب، وأصح قولي الشافعي.
          ومذهب مالك: تهل عند الاستواء قائمة، وقيل: معنى: حتى تنبعث؛ أي: تنبعث من الأرض إلى القيام.