مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الجعد

          ░68▒ باب الجعد
          فيه أحاديث:
          1- حديث أنس وسلف في صفة النبي صلعم.
          2- حديث البراء: ما رأيت أحداً أحسن في حلة حمراء من رسول الله. قال (خ): قال بعض أصحابي، عن مالك: إن جمته لتضرب قريباً من منكبيه. قال أبو إسحاق: سمعته غير مرة، إلى آخره وسلف أيضاً.
          3- حديث ابن عمر أنه ◙ قال: ((أراني الليلة)) الحديث، وسلف أيضاً.
          4- حديث أنس أنه ◙ كان يضرب شعره منكبيه.
          ذكره من طريقين عنه.
          وثالث: كان شعر رسول الله رجلاً.
          ورابع: كان شعره رجلاً لا جعد، ولا سبط.
          وخامس: ليس فيه ذكر الجعد فلا وجه لإيراده هنا. وفيه: وكان بسط الكفين.
          كذا لأكثرهم. ولبعضهم: (سبط) بدل بسط، وشك المروزي فقال / : لا أدري (بسط) أو (سبط).
          قال عياض: والكل صحيح المعنى؛ لأنه روي بعد: (شثن الكفين) أي: غليظهما.
          وهذا يدل على سعتهما وكبرهما، وروي: (سابل الأطراف) وهذا موافق لمعنى (سبط).
          ثم ساق حديث ابن عباس السالف: ((وأما موسى فرجل آدم جعد..)) الحديث.
          ولا وجه لذكرهما هنا وروي تعليق هشام الإسماعيلي من حديث علي بن بحر عنه.
          في أحاديث الباب أنه ◙ كانت له جمة تبلغ قريباً من منكبيه، وقيل: تبلغ شحمة أذنيه. وقيل: يضرب شعره منكبيه. وليس ذلك بإخبار عن وقت واحد، وإنما ذلك إخبار عن أوقات مختلفة يمكن فيها زيادة الشعر بغفلته عن قصه، فكان إذا غفل عنه بلغ منكبيه، فإذا تعاهده وقصه بلغ شحمة أذنيه أو قريباً من منكبيه، فأخبر كل واحد عما شاهد.
          وذكر ◙ أن عيسى كانت له لمة حسنة قد رجلها، وأن موسى كان آدم جعداً، فدل أنه كانت له لمة، وأن الجعودة لا تتبين إلا في طول الشعر، وهذه الآثار كلها تدل أن اتخاذ اللمم وترجيلها من سنن النبيين(1).
          قوله في صفته عليه الصلاة والسلام: ليس بالأبيض الأمهق. يعني: أن لونه ليس بالشديد البياض الفاحش الخارج عن حد الحسن، وذلك أن المهق من البياض هو الذي لا يخالطه شيء من الحمرة كلون الفضة.
          والقطط بفتح الطاء وكسرها الشعر الشديد الجعد، وقيل: الذي كان شعرات رأسه زبيب، حكاه الداودي.
          قوله في حديث ابن عباس في حق الدجال: (كأنها عنبة طافية) يريد: بارزة قد برزت وطفت كما يطفو الشيء فوق الماء.
          وترجيل الشعر: مشطه وتقويمه، يقال: شعر رجل بفتح الجيم وكسرها مسرح. عن صاحب ((العين)).
          واختلف في معنى المسيح ابن مريم على أقوال سلفت.
          قال: وإنما سمي الدجال مسيحاً، لأن إحدى عينيه ممسوحة، والأصل فيه مفعول فصرف إلى فعيل.
          قال ثعلب: والدجال مأخوذ من قولهم: دجل في الأرض، ومعناه: ضرب فيها وطافها. وقال مرة أخرى: تقول: قد دجل في الأرض إذا لبس وموه.
          وقال ابن دريد: اشتقاقه من قولهم: دجلت الشيء إذا سترته، كأنه يستر الحق ويغطيه ويلبس بتمويهه، ومنه سميت دجلة؛ كأنها حين فاضت على الأرض سترت مكانها.
          قوله: (شثن الكفين) الشثن: الذي في أنامله غلظ، وقد شثن شثناً.
          وقال أبو عبيد: هما إلى الغلظ، فكان كفه ◙ ممتلئاً لحماً، وبين ذلك قول أنس: وكان ضخم اليدين والقدمين، غير أن كفه مع ضخامتها كانت لينة، كما روي عن أنس أنه قال: ما مسست حريرة ألين من كف رسول الله.
          وعبارة الخطابي يريد الغليظ الكفين الواسعهما.
          فإن قلت: قد قال أبو حاتم عن الأصمعي الشثنوة غلظ الكف وخشونتها وأنشد قول امرئ القيس:
وتعطوا برخص غير شثن كأنه                     أساريع ظبي أو مساويك أسحل
          قيل: تأويل الأصمعي البيت يعارض قول أنس في صفة النبي صلعم كان حسن اليدين مع قوله ما مسست حريرة ألين من كفه.
          قلت: قول الأصمعي من أفراده، ولا فسر أحد بيت امرئ القيس عليه، وقد فسر الطوسي البيت بما يوافق قول الأولين / فقال: قوله: بكف غير شثن. أي: غير غليظ جاف. وهو الصواب؛ لأن أنساً إنما وصف كف جارية واستحب فيها الرقة واللطافة، ألا تراه أنه شبهها في الرقة بالدود البيض الرقاق اللينة التي تكون في الرمل أو بمساويك رقاق ولم يصفها بالغلظ والامتلاء، وذلك لا يستحب في النساء وهو مستحب في الرجال، ولا يمنع أحد أن تكون كفًّا ممتلئة لحماً شديد الرطوبة غير خشنة، فلا تعارض بينهما، ولو صح تأويل من جعل الشثن الخشن لأمكن(2) الجمع؛ لأنها خشنة باعتبار المهنة.
          قالت عائشة: كان ◙ في مهنة أهله يرقع الثوب ويخصف النعل، وإذا كان ◙ يعمل بيديه حدثت له الخشونة، وإذا ترك ذلك عاد إلى أصل جبلته وهي لين الكف، فأخبر أنس عن كلتا الحالتين، فلا تعارض في ذلك لو كان التأويل كما قال الأصمعي، وتأويل الجماعة مغن عن هذا التخريج.
          قوله: (مخطوم بخلبة) قال صاحب ((العين)): هي حبل من ليف.
          قال الجوهري: بضم اللام وسكونها. وكذا قال ابن فارس والقزاز: إن الخلبة الليف.
          وقال الخطابي: الخلبة: كل حبل أجيد فتله من ليف أو قنب أو غير ذلك ما كان. ويقال: بل هو ليف المقل.
          وفيه: بيان أن موسى ◙ حج، خلافاً لما يقوله اليهود أنه لم يحج ولم يتخذ البيت منسكاً قط.
          وقول أنس أنه مات ابن ستين سنة هو قول عروة بن الزبير.
          وروي عن ابن عباس خلاف هذا، قال: أقام ◙ بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، وبالمدينة عشراً، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. وسلف الاختلاف في سنه.
          قوله: (ليس بالطويل البائن) أي: ليس بخارج عن الحد في طوله ولا بالقصير. يعني: أنه كان معتدلاً.
          وحديث البراء لعله كان في الحرب، قاله الداودي(3).
          قوله: (إن جمته لتضرب قريباً من منكبيه) وقال بعده شعبة: يبلغ شحمة أذنيه؛ وهما متقاربان لأن شحمة الأذن هي معلق القرط.
          وقال: (إلى منكبيه) وقال أيضاً: (بين أذنيه وعاتقه) لعلها صفات مرات، لعله نقص منها عندما حلق في حج أو عمرة أو غيرهما.
          والجمة بالضم: مجمع شعر الرأس، وهي أكثر من الوفرة. قال الجوهري وقال هو وابن فارس: اللمة بالكسر: الشعر يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي جمة، كذا في ((الصحاح)) هنا.
          وقال في (وفر): الوفرة: الشعرة إلى شحمة الأذن، ثم الجمة، ثم اللمة وهي التي ألمت بالمنكبين، قال: وإذا زادت فهي جمة ورجل مجم، قال: فإذا بلغت شحمة الأذنين فهي وفرة.
          قوله: (قد رجلها فهي تقطر ماء) قال أبو عبد الملك: يريد مشطها بالماء، قال: والترجيل أن يبل الرأس ثم يمشطه.
          وقال ابن السكيت: شعر رجل ورحل: إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطاً. تقول فيه: رجل شعره ترجيلاً.
          وقال القزاز: ترجيل الشعر: دهنه ومشطه وتسكين شعثه. وقال الداودي: هو أن يمسه بماء أو دهن ثم يمشط ويرسل.
          قوله: (كان شعره رجلاً) هو بكسر الجيم وفتحها.
          اختلف في الدجال هل يقال فيه المسيح بتخفيف السين أو بتشديدها؟ فقيل بالتخفيف فيه وفي عيسى ◙، قاله ابن قتيبة.
          وقال الجوهري: يسمى الدجال مسيحاً بالتخفيف من سياحته وبالتثقيل، لأنه ممسوح العين اليمنى.
          ومن الغريب ما حكاه ابن التين أنه قيل: إن هذا الحديث دل على أن الدجال يدخل مكة دون المدينة. وفيه نظر، ولا حاجة إلى ذكر ذلك، فالأئمة قائمة على أنه لا يدخلها(4).
          قوله / : (لم أر بعده شبها له) قال الجوهري: شبه وشبه لغتان بمعنى، يقال: هذا شبهه؛ أي: شبيهه، وبينهما شبه بالتحريك.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (ربيعة) بفتح الراء وكسر الموحدة و(البائن) أي: المفرط المتجاوز حده و(الأمهق) هو الذي يضرب بياضه إلى الزرقة وقيل: هو الكريه البياض كلون الحصى يعني: كان بين البياض و(الجعد) هو المنقبض الشعر كهيئة الحبش والزنج و(القطط) شديد الجعودة و(السبط) بكسر الموحدة وفتحها وسكونها الذي يسترسل شعره ولا ينكسر فيه شيء لغلظه.
          قوله: (بعض أصحابي) قال (خ): (قال بعض أصحابي عن مالك ابن إسماعيل) وهذا رواية عن المجهول و(الجمة) بالضم مجتمع شعر الرأس، وقال أبو إسحاق السبيعي: بفتح المهملة سمعت البراء مراراً ويحتمل أن يكون المراد من قال شعبة أنه قال ذلك نقلاً عن أبي إسحاق؛ لأنه شيخه.
          قوله: (لمة) بكسر اللام، الشعر الذي ألم إلى المنكبين و(الوفرة) ما نزل إلى شحمة الأذن و(الجمة) إلى المنكب وهي وفرة ثم جمة ثم لمة و(رجلها) أي سرحها ومشطها و(الطافية) ضد الراسبة وروي بالهمزة وعدمها، فالمهموزة هي ذاهبة الضوء وغير المهموزة وهي الناتئة البارزة المرتفعة.
          فإن قلت: قد ثبت أنه لا يدخل مكة؟ قلت: لا يدخل على سبيل الغلبة وعند ظهور شوكته وزمان خروجه أو المراد بقوله لا يدخل أي: بعد هذه الرؤيا لا يدخلها مع أنه ليس في الحديث التصريح بأنه رآه بمكة، وأما تسمية عيسى ◙ بالمسيح فقيل: إنه معرب مشيحا بالمعجمة والمهملة بالعبرانية، ومعناه المبارك ومن قال إنه مشتق قال سمي به لأنه يمسح المريض بيده كالأكمه والأبرص فيبرأ، وقيل: لأنه مسح الأوزار وطهر منها، وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن.
          و(أما الدجال) فلأنه يمسح الأرض؛ أي: يغطيها وقيل: الأعور يسمى مسيحاً ومر في كتاب الأنبياء في باب مريم.
          قوله: (إسحاق) قال الغساني: لعله ابن منصور و(حبان) بفتح المهملة وشدة التحتانية ابن هلال الباهلي.
          فإن قلت: كيف الجمع بين ما قال بعض أصحابه أنه ليضرب قريباً من منكبيه وما قال شعبة يبلغ شحمة أذنيه وما قال أنس يضرب منكبيه؟ قلت: الاختلاف باعتبار الأوقات والأحوال.
          قوله: (عمرو بن علي) الصيرفي و(وهب بن جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن حازم بالمهملة والزاي الأزدي و(رجلاً) بفتح الراء وكسر الجيم وهو الذي بين الجعودة والسبوطة فالمذكور بعده كالتفسير له.
          قوله: (مسلم) بكسر اللام الخفيفة، ابن إبراهيم البصري و(الضخم) الغليظ و(أبو النعمان) بضم النون محمد بن الفضل يقال له عارم بالمهملة والراء السدوسي و(جرير) بفتح الجيم ابن حازم بالمهملة والزاي و(كان بسط الكفين) أي مبسوطهما خلقة وصورة وقيل أي باسطهما بالعطاء والأول أنسب بالمقام وفي بعضها بسيط بوزن فعيل وفي بعضها بسط بكسر الموحدة وقيل هو بمعنى المبسوط كالطحن بمعنى المطحون، الجوهري: يد بسط أي مطلقة وفي قراءة عبد الله (بل يداه بسطان).
          قوله: (معاذ) بضم الميم وبإهمال العين وإعجام الذال (ابن هانئ) بكسر النون وبالهمزة اليشكري بالتحتانية والمعجمة والكاف والراء مات سنة تسع ومائتين.
          قوله: (عن رجل) صار بهذا الترديد رواية عن المجهول.
          فإن قلت: لفظ عن أبي هريرة متعلق برجل فقط أو بأنس أيضاً؟ قلت: / الظاهر أنه بالرجل وحده إذ أنس كان خادماً له صلعم ملازماً له وهو أعرف بصفاته من غيره فيبعد أن يروي صفته عن رجل عن صحابي وهو أقل ملازمة له منه.
          قوله: (هشام) أي: ابن يوسف الصنعاني و(الشثن) بفتح المعجمة وإسكان المثلثة وبالنون الغليظ الكفين الواسعهما.
          قوله: (أبو هلال) هو محمد بن سليم بضم السين الراسبي بالراء والمهملة والموحدة مات سنة سبع وستين ومائة و(سهلاً) أي مثلا.
          قوله: (ابن أبي عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وشدة التحتانية محمد و(ابن عون) بفتح المهملة وبالنون عبد الله و(قالوا) في بعضها قال أي قائل و(لم أسمعه) أي: رسول الله والمراد بالصاحب سيدنا محمد نفسه صلعم أي: أنه شبيه بإبراهيم صلعم و(الخلبة) بضمتين وبضم المعجمة وسكون اللام، لغتان وهي كل حبل أجيد فتله من ليف أو قنب أو غير ذلك، وقيل: ليف المقل و(الوادي) أي: وادي مكة شرفها الله تعالى و(إذا انحدر) كلمة إذا لمجرد الظرفية فيها.
          الخطابي: فيه أن موسى ◙ حج البيت خلاف ما تزعم اليهود لعنهم الله تعالى.
          الزركشي:
          (ثنا إسحاق: ثنا حبان) بفتح الحاء بعدها موحدة.
          (وكان بسط الكفين) بتقديم الباء، قال القاضي: كذا لأكثرهم، ولبعضهم: ((سبط)) شك المروزي فقال: لا أدري بسط أو سبط والكل صحيح المعنى لأنه روي: ((شثن الكفين)) أي: غليظهما وهذا يدل على سعتمها وكبرهما ويروى سائل الأطراف وهذا موافق لمعنى سبط.
          (شثن الكفين) بفتح الشين المعجمة وإسكان الثاء؛ أي: غليظهما، قاله في ((الفائق))، والشثن: الغليظ، وقد شثن وشثن وشنث، وهو مدح في الرجال لأنه أشد لقبضتهم وأصبر لهم على المراس، وذم في النساء.
          (مخطوم من المظالم) انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (بسط الكفين) ويروى: سبط بسيط، قال في ((المطالع)) يروى بالألفاظ الثلاثة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وقد حلق في الحديبية حين صالح الكفار وفي الحج أيضاً، والغرض ن غالب أوقاته كانت له ثمة)).
[2] في المخطوط: ((لا يمكن)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: يحتمل أن يكون معناه أنه إذا ترك الشعر كان إلى شحمة أذنيه وإذا مد كان إلى منكبيه وهذا ظاهر.)).
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: معناه لا يدخلها عند ظهوره وهذا كان قبل ذلك، وهو ظاهر لا يحتاج إلى تأويل)).