مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب فص الخاتم

          ░48▒ باب فص الخاتم
          وذكر عن حميد قال: سئل أنس: هل اتخذ النبي صلعم خاتماً؟ قال: آخر ليلة صلاة العشاء الحديث.
          ابن مسافر هو: عبد الرحمن بن خالد بن مسافر أبو خالد الفهمي المصري واليها مولى الليث، من أفراد (خ). وزياد هو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني البلخي، سكن مكة وكان شريك ابن جريج، ثم انتقل إلى اليمن ومات به.
          ولابن منجويه: الذي وقع منه الخاتم رجل من الأنصار اتخذه عثمان على خاتمه.
          وفي ((علل أبي جعفر)): ذهب يوم الدار، فلا ندري أين ذهب.
          ولابن منجويه: هلك من يد معيقيب الدوسي.
          قوله: (تابعه إبراهيم) أي: أخرجه (د) من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عنه أنه رأى في يد رسول الله خاتماً من ورق يوماً واحداً، الحديث.
          وحديث شعيب رواه عن الفضل بن عبد الله، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة وحديث زياد رواه الإسماعيلي أيضاً عن الحسن، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن منصور، ثنا روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن زياد.
          وحديث ابن مسافر رواه الإسماعيلي عن إبراهيم بن موسى، أنا أبو الأحوص، ثنا ابن عفير، ثنا الليث عنه، وكلهم قال: من ورق.
          قال / الإسماعيلي: هذا الخبر إن كان محفوظاً، فإن الأخبار عن يونس تدل على أنه ◙ لبس الخاتم، وكذلك روى ابن عمر. فينبغي أن يكون تأويله أنه اتخذ خاتماً من ورق على لون من الألوان، وكره أن يتخذ الناس مثله، فلما اتخذوه رمى به حتى رموا به، ثم اتخذ بعد ما اتخذه ونقش عليه لما احتاج إلى الختم، وقوله للمتزوج: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فيه دليل على استعمالهم خواتيم من الفضة إلى أدناها.
          قال: وقول (خ): باب: فص الخاتم. وذكر فيه حديث أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه في أصبعه. ليس من الباب الذي ترجمه.
          قلت: بلى؛ لأنه لا يسمى خاتماً إلا إذا كان فيه الفص، وإلا فهو فتخة.
          وفي كتاب ((الورع)) لأحمد: اتخذ رسول الله خاتماً قال: ((شغلني عنكم هذا منذ اليوم، أنظر إليه نظرة وإليكم نظرة)) ثم رمى به.
          ولابن منجويه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهاني رسول الله عن خاتم الذهب وخاتم الحديد.
          ولابن شاهين من حديث ميمون بن سنبا وعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة ومن لبس الحرير منهم فكذلك ولابن منجويه من حديث عمرو عن طاوس قال كان في يد رسول الله خاتم من ذهب فنظر إليه نظرة وإليهم نظرة ثم ألقاه فلم يلبسه.
          ولم يزد ابن بطال في ((شرحه)) على أن قال: التختم بالذهب منسوخ لا يحل استعماله؛ لنهي الشارع عنه، والذهب محرم على الرجال حلال للنساء ومن ترخص في التختم بالذهب من السلف لم يبلغه النهي والنسخ، وهو كلام جامع.
          وروى ابن أبي شيبة عن ابن أبي نمير عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال رأيت على البراء خاتم ذهب، وعن حذيفة أنه كان في يده خاتم ذهب فيه ياقوتة وعن سماك بن حرب قال: رأيت على جابر ابن سمرة خاتماً من ذهب ورأيت على عكرمة خاتماً من ذهب.
          قال الطحاوي: اختلف في تحلي الذهب للنساء، فروي عن عائشة أنه ◙ رأى عليها مسكتين من ذهب، فقال: ((ألا أخبرك بأحسن من هذا لو نزعت هذين وجعلت مسكتين من فضة ثم صفرتيهما بزعفران كانتا حسنتين)).
          وروى ثوبان أن ابنة هبيرة جاءت رسول الله في يدها فتخ من ذهب؛ أي: خواتيم كبار، فجعل رسول الله يضرب يدها فأتت فاطمة فشكت إليها ما صنع بها رسول الله قال ثوبان: فدخل رسول الله على فاطمة وأنا معه، وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب، فقالت: هذه أهداها إلي أبو الحسن، فقال: ((يا فاطمة، أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار)) ثم خرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فاشترت بها غلاماً فأعتقته فبلغ ذلك رسول الله، فقال: ((الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار)).
          قال أبو جعفر: أما حديث فاطمة فقد جاء عنها ما يدل على نسخه وأنها كانت تحلي بنات أخيها الذهب، وكانت أم سلمة تكره ذلك وتنكره إذ لا يصح أن تكون عائشة فعلت ذلك بعد ما سمعت من رسول الله في المسكتين إلا بعد وقوفها على تحليل ذلك لهن ولأمثالهن بعد تحريمه عليهن.
          قلت: في (خ): وكان على عائشة خواتيم ذهب؛ وأما حديث فاطمة فهو من أحسن ما روي في تحريم لبس الذهب على النساء غير أنه يحتمل أن يكون نسخه ما ذكرنا مما نسخ حديث عائشة.
          قال الطحاوي: وقد احتج بعض من ذهب إلى إجازة تحلي النساء بالذهب / بما روي عن علي أن رسول الله صلعم أخذ حريراً في يمينه وذهباً في شماله ثم قال: ((إن هذين حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها)).
          قال: وهو حديث فاسد الإسناد؛ إلا أن أهل الثقة إنما يروونه عن رجل من همدان يقال له: أفلح عن عبد الله بن زرير عن علي.
          وأفلح هذا رجل مجهول ليس هو أبو علي الهمداني لأن أبا علي اسمه حسين بن شفي.
          قلت: أفلح هذا معروف، روى عنه جماعة منهم بكر بن سوادة. وقال العجلي: مصري، تابعي، ثقة.
          وقوله: (حسين بن شفي) صوابه: ثمامة بدل حسين.
          قال الطحاوي: وقد روي عن رسول الله من طرق غير هذا الطريق: أن الحرير والذهب حرام على ذكور أمته حلال لإناثهم جماعة من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاصي وأبو موسى. وقد روي في إباحة الحرير للنساء عن علي وعمر، فلا يعارض ما تواتر من هذه الآثار عن رسول الله ما يخالفها ولم تتواتر تلك الروايات.
          وأسلفنا أن في حل الافتراش لهن خلافاً بخلاف الأواني.
          وفي ((قنية)) الحنفية: النساء فيما سوى الحلي من الأكل والشرب والادهان والقعود، في الذهب والفضة بمنزلة الرجل في الكراهة لعموم الأثر، بخلاف الحرير لأنه يحل لهن افتراشه والجلوس عليه ونحوه، ولا خلاف في هذا بين الأئمة(1).
          قال الطحاوي: روي عن رسول الله أنه نهى عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان. والمعنى في هذا أن الخواتم لم تكن من لباس العرب ولا يستعملونه، يوضحه أنه ◙ لما أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر قيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذه لحاجته إليه، وكذلك في حديث أبي ريحانة: ((إلا لذي سلطان)) لحاجة السلطان إليه، ومن احتاج إلى مكاتبة أو إلى ختم ما له جاز له أيضاً، ولما اتخذه ◙ اتخذه الناس.
          قلت: دعواه أن الخاتم لم يكن من لباسهم عجب، فهو اسم عربي، وكانت العرب تستعمله، ووقع في ذلك ابن التين أيضاً، وقال: إنه من زي العجم.
          قال ابن بطال: والنهي روي من حديث أبي ريحانة ولا حجة فيه لضعفه.
          وفي حديث ابن عمر لما اتخذ الخاتم من فضة لبسه إلى أن مات، وحديث أنس أنه ◙ نبذ خاتم الورق، وهو معدود عند العلماء من أوهام الزهري؛ لأن المنبوذ إنما هو خاتم الذهب.
          رواه عبد العزير بن صهيب وثابت البناني وقتادة عن أنس، وهو خلاف ما رواه الزهري عنه فوجب القضاء للجماعة على الواحد إذا خالفها مع ما يشهد للجماعة من حديث ابن عمر.
          قال أبو داود: لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده.
          فصل عن فصه
          روى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس قال: كان خاتم النبي صلعم من ورق، وكان فصه حبشيًّا ولا تضاد فكان له واحد من فضة وآخر فصه حبشي. وكذا قال الخطابي: كان له خاتمان أحدهما فصه منه كراهية التزيين ببعض الجواهر التي تميل إليها النفوس، وكان فص الآخر حبشيًّا، وذلك مما لا بهجة له ولا زينة.
          قلت: وفي ((الطبراني الكبير)) عن معيقيب قال: كان خاتم رسول الله من حديد ملوي عليه فضة.
          ثم روي أنه كان لخالد بن سعيد / فأخذه منه.
          وروي أنه تختم بفص عقيق.
          فصل
          التختم في اليسار واليمين، ورجح أصحاب اليمين، وهو الأشهر والمستفيض.
          وقد روى حماد بن سلمة الحديث الأول وزاد بعد قوله: وكأني أنظر إلى وبيص خاتمه: (ورفع يده اليسرى).
          قال أحمد بن خالد: هذا جيد في التختم في اليسار، وهو كان آخر فعله.
          وروى (د) من حديث عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر أنه ◙ كان يتختم في يساره. وقال (د): وقال ابن إسحاق وأسامة عن نافع بإسناده: في يمينه.
          وكان ابن عمر والحسن يتختمان في يسارهما.
          وقال مالك: أكره التختم في اليمين وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه، فكيف تريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل، قيل له: أفنجعل الخاتم في اليمين للحاجة نذكرها؟ قال: لا بأس بذلك. وكان ابن عباس وعبيد الله بن جعفر يتختمان في اليمين.
          وقال عبد الله بن جعفر: كان ◙ يتختم في يمينه. رواه حماد بن سلمة، عن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر.
          وقال (خ): هذا أصح شيء روي في هذا الباب ذكره (ت).
          وفي ((علل ابن أبي حاتم)) عن أبيه: أما اتخاذه خاتماً من فضة، ونقش فيه محمد رسول الله فهو صحيح(2)، وأما قول من قال: كان يلبسه في شماله فلا أعلم أحداً رواه، إنما رواه عباد بن العوام، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس عن رسول الله.
          والحفاظ يروونه عن سعيد عن أنس عن رسول الله يقولون أنه لبس في يساره.
          وقال في موضع آخر: سألت أبي عن تختم رسول الله في يمينه أصح أم يساره؟ قال: في يمينه الحديث أكثر ولم يصح هذا ولا هذا.
          قلت: روينا عن ابن سعد بأسانيد جيدة من حديث ابن عمر: اتخذ النبي صلعم خاتماً من ذهب، فكان يجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه في يمينه.
          ومن حديث عائشة أنه ◙ كان يتختم في يمينه، وقبض والخاتم في يمينه.
          قلت: وروي أنه كان يتختم في يساره، فإذا تطهر حوله إلى يمينه.
          وروى ابن منجويه من حديث عائشة أنه ◙ كان يتختم في يمينه.
          وعن عبد الله بن جعفر أنه ◙ كان يتختم في يمينه.
          وعن أنس أيضاً أنه ◙ كان يتختم في يمينه.
          ولأبي داود من حديث علي أنه ◙ كان يتختم في يمينه.
          وفي شرف النبي صلعم التصنيف الكثير.
          روي عن علي وابن عباس وأبي جعفر وابن عمر وأنس وجابر وغيرهم أنه ◙ كان يقول: ((اليمين أحق بالزينة من اليسار)).
          ولأبي داود بإسناد جيد عن ابن عمر: لما اتخذ رسول الله الخاتم من الفضة ونقش فيه: محمد رسول الله قال: ((لا ينقشن أحد على نقش خاتمي))، وقد أخرجه (خ) من حديث أنس كما سيأتي.
          ولأبي داود: وأمر إنساناً أن لا يتم خاتمه مثقالاً ونهاه عن التختم بالحديد.
          وبه صرح الخطابي. وفي رواية: كان له ◙ خاتم حديد ملوي عليه فضة.
          قال التيفاشي في ((نزهة الألباب)): خاتم الفولاذ مطردة للشيطان، لا سيما إذا لوي عليه فضة بيضاء، فكأنه أراد تعليم أمته بهذا.
          ولابن منجويه عن إبراهيم أنه ◙ قال: ((من تختم بالياقوت الأصفر لن يفتقر، والزمرد يتقي الفقر)) وقال: ((من لبس العقيق لم يقض له إلا بالذي هو أسعد فإنه مبارك، وصلاة في خاتم / عقيق بمائة صلاة)) ولا أصل لذلك.
          ومن حديث أبي هشام الرفاعي، عن حفص، عن جعفر عن أبيه قال: كان نقش خاتم رسول الله: العزة لله.
          وعن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج خاتماً إليهم، فزعم أن رسول الله كان يلبسه في تمثال أسد.
          قال معمر: فرأيت بعض أصحابنا غسله بالماء ثم شرب ذلك الماء.
          ولابن سعد: قال ابن سيرين: كان في خاتم رسول الله: باسم الله، محمد رسول الله.
          ومن حديث محمد بن عمرو بن عثمان أن معاذاً لما قدم من اليمن حين بعثه رسول الله إليها قدم وفي يده خاتم ورق نقشه: محمد رسول الله، فقال له رسول الله: ((ما هذا؟)) فقال: يا رسول الله، إني كنت أكتب إلى الناس فأفرق أن يزاد فيها أو ينقص منها، فاتخذت خاتماً أختم به. قال: ((وما نقشه؟)) قال: محمد رسول الله. فقال ◙: ((آمن كل شيء من معاذ حتى خاتمه)) ثم أخذه رسول الله فختم به.
          وفي رواية إسحاق عن سعيد أن خالد بن سعيد أتى رسول الله وفي يده خاتم له، فقال له رسول الله صلعم: قال: اتخذته. فقال: ((اطرحه إلي)) فطرحه فإذا هو حديد ملوي عليه فضة فقال: ((ما نقشه؟)) قال: محمد رسول الله، فأخذه ◙ فلبسه، فهو الذي كان في يده.
          وفي حديث عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي، عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص حين قدم من الجيش على رسول الله فقال له: ((ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟)) قال: حلقة يا رسول الله قال: ((فما نقشها؟)) قال: محمد رسول الله. فأخذه فتختم به، فكان في يده حتى قبض ثم في يد الصديق... الحديث.
          وروى ابن سعد من حديث عطاف بن خالد، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن ابن المسيب قال: ما تختم رسول الله حتى لقي الله، ولا أبو بكر حتى لقي الله، ولا عمر حتى لقي الله، ولا عثمان حتى لقي الله، ثم ذكر ثلاثة أحرف من الصحابة.
          قال الخطابي: وقد كره للنساء أن يتختمن بالفضة؛ لأن ذلك من زي الرجال، فإذا لم يجدن ذهباً فلتصفرنه بالزعفران أو نحوه، ولا يسلم له ما ذكره من الكراهة.
          والفص بفتح الفاء وحكي كسرها: واحد الفصوص، ونسب الجوهري إلى العوام الكسر، وإنما جعل الفص مما يلي الكف؛ لأنه أبعد من الزينة، ونص عليه القاضي حسين من أصحابنا، والرافعي في: الوديعة.
          قوله: (ونقش فيه محمد رسول الله) هذا هو المعروف، ونقل ابن التين عن الشيخ أبي محمد أنه قيل: فيه زيادة: لا إله إلا الله في أوله.
          والخاتم بفتح التاء وكسرها وخيتام وخاتام وختام وختم، فهذه ست لغات. والجمع: خواتيم(3).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: لا منافاة بين الكلامين وهي نكتة لطيفة، وذلك أن العرب كانت تستعمل الخواتم وتعرفها غير منقوشة والعجم كانت تستعملها منقوشة فالتأم الكلامان وتوافقا يوضحه أنه قيل له أنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً الحديث فاتخذه لحاجته إليه)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: الخاتم ربما يكون عليه اسم الله أو اسم نبي واليسار لتطهره وتنعله فاليمين أليق بالخاتم من اليسار إلا أن يكون وقت الحاجة ينقلها إلى اليمين)).
[3] في هامش المخطوط: ((وكان نقش خاتم مالك: حسبي الله ونعم الوكيل)).