مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التصاوير

          ░88▒ باب التصاوير
          فيه حديث ابن عباس، عن أبي طلحة قال: قال النبي صلعم: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب...)) إلى آخره.
          الحديث الأول رواه عن آدم، بسنده عن أبي طلحة، ثم ذكر تعليق الليث.
          وادعى ابن وضاح ثم الدوادي وجماعة من العلماء: أن الملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي مثل جبريل وإسرافيل، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقان الإنسان على كل حال؛ أي: إلا عند الجماع،كما ورد في الحديث، وعبارة بعضهم: المراد ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار دون الحفظة.
          وقيل: أراد: لا تدخله الملائكة كدخولهم لو لم يكن في البيت صورة، نحو قوله ◙: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)).
          قيل: أراد: لا يدخله أحد غير الحفظة.
          الخطابي: وإنما لم تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب صيد أو زرع أو ماشية فليس داخلاً في هذا.
          والصورة: كل ما يصور من الحيوان سواء في ذلك التصوير القائمة التي لها أشخاص، وما لا شخص له من المنقوشة في الجدر، والمصورة فيها، وفي الفرش والأنماط، وقد رخص بعض العلماء فيما كان فيها من الأنماط التي توطأ وتداس بالأرض.
          وقال النووي: والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع، لإطلاق الأحاديث، وسبب امتناعهم من دخول بيت فيه كلب: كثرة أكله النجاسة، وبعضهم يسمى شيطاناً، والملائكة ضد الشياطين والقبح رائحته، والملائكة يكرهون الرائحة الخبيثة؛ ولأن الإنسان منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له.
          وروى ابن السني من حديث مجاهد، عن أبي هريرة قال: استأذن جبريل على رسول الله فقال: ((ادخل))، فقال: ((كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رءوسها، أو تجعل بساطاً ويوطأ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه تصاوير)) وأخرجه (د).
          وقال جبريل: ((أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت، إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال فيقطع فتجعل منه وساد من مسودتان توطئان، ومر بالكلب فليخرج))، وكان لحسن أو لحسين فأمر به فأخرج.
          قال أصحابنا وغيرهم: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فحرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله، وسواء كان في ثوب أم بساط أم دينار ودرهم وفلس وإناء وحائط، وأما ما ليس فيه صورة حيوان كالشجر والرحال وشبههما فليس بحرام، هذا حكم المصور.
          فأما اتخاذ المصور فيه حيوان، فإن كان معلقاً على حائط، أو ثوباً ملبوساً، أو عمامة، أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهناً فهو حرام، وإن كان في بساط يداس، أو مخدة، أو وسادة مما يمتهن فليس بحرام، ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له. هذا تلخيص مذهبنا.
          وبمعناه قال جماعة العلماء: مالك والثوري وأبو حنيفة وغيرهم.
          وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بما ليس له ظل، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر ◙ الصورة فيه لا يشك أحد أنه / مذموم وليس لصورته ظل مع ما في الأحاديث المطلقة في كل صورة.
          وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقماً في ثوب، سواء امتهن أم لا، وسواء علق في حائط، وكرهوا ما كان له ظل أو كان مصوراً في الحيطان وشبهها، وأجمعوا على [منع] ما كان له ظل ووجوب تغييره.
          قال القاضي: إلا ما ورد في لعب البنات، وكان مالك يكره شراء ذلك لبنته، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب منسوخ بهذه الأحاديث، قال الطبري: فإن قيل: أفحرام دخول البيت الذي فيه التماثيل والصور؟
          قيل: هو مكروه أعني: ما له حرم وينصب ولا يمتهن، وأما ما كان من ذلك علماً في ثوب أو رقماً له، وكان مما يوطأ ويجلس عليه فلا بأس به وما كان مما ينصب، فإن كان من صورة ما لا روح فيها، فلا بأس به، وإلا فلا أستحبه.
          ثم ساق حديث عائشة قالت: كان لها ستر الحديث.
          وعن أبي قال: دخلت مع مسروق بيتاً فيه تماثيل فنظر إلى تمثال منها فقال: ما هذا؟ قالوا: تمثال مريم.
          وقال مغيرة: كان في بيت إبراهيم تابوت فيه تماثيل.
          وفي رواية حماد عنه: لا بأس بالتمثال في حلية السيف، ولا بأس بها في سماء البيت، إنما يكره منها ما نصب نصباً يعني: الصورة.