مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ

          ░97▒ باب من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ
          فيه حديث سعيد: سمعت النضر بن أنس.. إلى آخره(1).
          هذا الحديث أغفله ابن بطال في الباب قبله، ثم نقل عن المهلب: أنه سأل عن وجه دخوله فيه، ثم قال: قيل: وجه ذلك والله أعلم أن اللعن في لغة العرب: الإبعاد عن رحمة الله بالعذاب، ومن كلفه الله أن ينفخ الروح فيما صور، وهو لا يقدر على ذلك أبداً، فقد أبعده الله من رحمته، فأين أكبر من هذا اللعن؟
          وفي قوله: (كلف أن ينفخ فيها الروح) دليل بين أن الوعيد، إنما جاء في تصوير ما له روح من الحيوان دون من صور الشجر والجمادات، فإنه ليس داخلاً في معناه.
          وسلف حديث ابن عباس فيه، وأن رجلاً قال له: إن معيشتي من هذه التصاوير.. الحديث.
          قال والدي ⌂:
          (باب التصاوير) جمع التصوير بمعنى المصور.
          فإن قلت: ما وجه تعلق هذا الباب والأبواب المتقدمة من الوشم والطيب والقزع ونحوها بكتاب اللباس؟ قلت: الغرض من اللباس الزينة كالعكس في قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ولا شك أن هذه الأمور للزينة مع أن الصور قد تكون في اللباس ومع أن اللباس هو ما يغشى الإنسان ثوباً أو غيره.
          قوله: (ابن أبي ذئب) بلفظ الحيوان المشهور محمد و(أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري وهذا من رواية الصحابي عن الصحابي.
          قوله: (كلب) أعم من أن يكون عقوراً، أو مما ينتفع به للزرع والضرع وسبب عدم الدخول كثرة أكله النجاسات وقبح رائحته، ولأن اتخاذ بعضه منهي عنه فعوقب متخذه بحرمان / دخول ملائكة الرحمة بيته، وأما الحفظة فلا يفارقون بني آدم في حال من الأحوال، وأما عدم دخولهم بيتاً فيه صورة فلكونها معصية فاحشةً فيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد.
          قوله: (مسلم) بكسر اللام الخفيفة يحتمل أن يكون أبا الضحى وأن يكون البطين لأنهما يرويان عن مسروق والأعمش يروي عنهما، والظاهر هو الثاني ولا قدح بهذا الاشتباه لأن كلا منهما بشرط (خ).
          قوله: (يسار) ضد اليمين ابن نمير مصغر النمر بالنون و(صفة الدار) مشهورة و(التماثيل) جمع التمثال وهو الصورة والمراد بها هاهنا: صورة الحيوان.
          فإن قلت: لم كانوا أشد الناس عذاباً يوم القيامة؟ قلت: لأنهم يصورون الأصنام للعبادة لها فهم كفرة والكفرة أشدهم عذاباً.
          قوله: (إبراهيم بن المنذر) بكسر المعجمة الخفيفة ضد المبشر و(أنس بن عياض) بكسر المهملة وخفة التحتانية وبالمعجمة.
          قوله: (أحيوا) أي: اجعلوه حيواناً ذا روح وهو الذي يسميه الأصوليون أنه تعجيز و(خلقتم) أي: صورتم وقدرتم و(معاذ) بضم الميم والمهملة والمعجمة (ابن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة و(هشام) أي: الدستوائي و(يحيى بن [أبي] كثير) ضد القليل و(عمران بن حطان) بكسر المهملة الأولى وشدة الثانية وبالنون السدوسي.
          قوله: (يترك) بالرفع وبالجزم بدلاً مما قبله و(التصاليب) أي: التصاوير كالصليب يقال: ثوب مصلب أي عليه نقش كالصليب الذي للنصارى و(نقضه) أي: كسره وأبطله وغير صورته.
          قوله: (موسى) ابن إسماعيل و(عبد الواحد) أي: ابن زياد بكسر الزاي وخفة التحتانية و(عمارة) بضم المهملة وتخفيف الميم وبالراء و(أبو زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وبالمهملة اسمه هرم و(مصورا) بلفظ المفعول و(بصور) بلفظ الجار والمجرور وبلفظ الفاعل و(يصور) بصيغة المضارع.
          قوله: (ذهب) من الذهاب الذي هو بمعنى القصد والإقبال إليه.
          فإن قلت: لا يقدر أحد على خلق مثل خلقه؟ قلت: التشبيه هو في الصورة وحدها لا من كل الوجوه.
          فإن قلت: الكافر أظلم منه؟ قلت: الذي يصور الصنم للعبادة هو كافر فهو هو أو يزيد عذابه على سائر الكفار لزيادة قبح كفره(2).
          قوله: (حبة) أي حبة فيها طعم يؤكل وينتفع بها كالحنطة و(الذرة) بفتح المعجمة وشدة الراء النملة الصغيرة والغرض تعجيزهم تارة بخلق الجماد وأخرى بخلق الحيوان.
          قوله: (التور) بفتح الفوقانية وبالواو وبالراء الإناء و(غسل اليد) كناية عن الوضوء؛ لأن الوضوء مستلزم له وقال أبو زرعة: قلت لأبي هريرة: أتبليغ الماء إلى الإبط شيء سمعته من النبي صلعم فقال: ((منتهى حلية المؤمن في الجنة حيث يبلغ ماء الوضوء))، وقد جاء في (م) من رواية أبي هريرة تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
          قال الطيبي في ((شرح مشكاة المصابيح)): ضمن يبلغ معنى يتمكن وعدي بمن أي: يتمكن من المؤمن الحلية مبلغاً بتمكنه الوضوء منه وقال أبو عبيدة: الحلية هاهنا التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء، وقال غيره: هو من قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} [الكهف:31].
          قوله: (وطئ عليه) أي: يداس ويمتهن كالبسط والوسادة وذلك ليس بحرام و(القرام) بكسر القاف وبالراء، ستر فيه رقم ونقوش وقيل الستر الرقيق و(السهوة) بفتح المهملة وإسكان / الهاء وبالواو الصفة تكون بين يدي البيوت(3) وقيل هو بيت صغير متخذ في الأرض شبيه بالخزانة الصغيرة وقيل هو الرف والطاق و(هتكه) أي: قطعه وأتلف الصورة التي فيه و(يضاهون) أي: يشابهون لخلق الله أي: المصورين بمثل هذه التماثيل ومر آنفا سبب الأشدية.
          قال الخطابي: إنما عظمت العقوبة في الصورة لأنها تعبد والنظر إليها مفتن.
          قوله: (عبد الله بن داود الهمداني) الكوفي ثم البصري و(الدرنوك) بضم المهملة وتسكين الراء وضم النون ضرب من الستور له خمل وقيل نوع من البسط.
          فإن قلت: ما وجه مناسبة الاغتسال بالمبحث؟ قلت: لعل الدرنوك كان معلقا بباب المغتسل والله أعلم(4)، أو المقام اقتضى ذكره إما بحسب سؤال وإما غيره.
          قوله: (جويرية) مصغر الجارية بالجيم (ابن أسماء) ابن عبيد مصغر ضد الحر والعلمان الأولان من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث و(النمرقة) بضم النون والراء وبكسرها وبضم النون وفتح الراء، ثلاث لغات الوسادة الصغيرة و(توسدها) من التوسيد وفي بعضها من التوسد.
          قوله: (بكير) مصغر البكر بالموحدة ابن عبد الله بن الأشج بالمعجمة والجيم و(بسر) أخو الرطب ابن سعيد المدني و(زيد ابن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون الصحابي و(أبو طلحة الأنصاري) وهو وإن كان مشهوراً بالصحبة، لكن الراوي ذكر أنه صاحب رسول الله صلعم تعظيماً له وتلذذاً وتبركاً به و(اشتكى) أي: مرض و(عبد الله) هو ابن الأسود الخولاني بفتح المعجمة وسكون الواو ربيب ميمونة زوج رسول الله صلعم.
          قوله: (يوم الأول) من باب إضافة الموصوف إلى صفته والمراد به الوقت الماضي و(الرقم) بفتح القاف وسكونها النقش والكتابة، الخطابي: المصور هو الذي يصور أشكال الحيوان والنقاش: الذي ينقش أشكال الشجر ونحوها فإني أرجو أن لا يدخل في هذا الوعيد وإن كان جملة هذا الباب مكروهاً وداخلاً فيما يشغل القلب بما لا يغني ومر الحديث في كتاب بدء الخلق في باب ذكر الملائكة.
          و(ابن وهب) هو عبد الله و(عمرو) هو ابن الحارث المصريان.
          قوله: (عمران بن ميسرة) ضد الميمنة و(القرام) بكسر القاف الستر مر آنفاً.
          قوله: (جبريل) بالرفع و(راث) بالمثلثة أي: أبطأ و(ما وجد) أي: من انتظاره ونكاية مفارقته وكان تحت سرير عائشة جرو كلب وقيل: تحت فسطاط لرسول الله صلعم.
          قوله: (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام و(الملائكة) أي: غير الحفظة فإنهم لا يفارقون بني آدم أصلاً.
          قوله: (محمد بن المثنى) ضد المفرد و(غندر) بضم المعجمة وإسكان النون وضم المهملة وفتحها وبالراء لقب ابن جعفر و(أبو جحيفة) مصغر الجحفة بالجيم والمهملة والفاء وهب الصحابي و(البغي) الزانية فعول عند المبرد وفعيل عند ابن جني.
          قوله: (عياش) بالمهملة [وشدة التحتانية وبالمعجمة ابن الوليد، بفتح الواو الرقام، و(سعيد) أي: ابن أبي عروبة] وخفة الراء وبالموحدة و(النضر) بسكون المعجمة قال سعيد سمعت النضر يحدث لقتادة قال الكلاباذي: روى سعيد مرة عن النضر وأخرى عن قتادة عن النضر و(ليس بنافخ) أي: لا يقدر على النفخ فيعذب بتكليف ما لا يطاق.
          الزركشي:
          (القرام) بكسر القاف: الستر الرقيق، فإذا خيط فصار كالبيت فهو كلة.
          (الدرنوك) بضم الدال: ستر له خمل، وجمعه درانك.
          (أحيوا) بفتح الهمزة، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (التصاوير) الصورة ترد في كلام العرب على معنى حقيقة الشيء وحياته وعلى معنى صفته فقال: صورة الفعل كذا وكذا أي: هيأته وصورة الأمر / كذا وكذا أي: صفته.
          قوله: (بقرام لي) هو الستر الرقيق وقيل: القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ، وقيل: الصغير من صوف ذي ألوان، والسهوة بيت مصغر منحدر في الأرض قليلاً شبيه بالمخدع والخزانة.
          قوله: (بيتا فيه كلب ولا تصاوير) سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه ذلك أما الصورة فلأنها معصية فاحشة وفيها مضاهاة بخلق الله، وأما الكلب فلكثرة أكله النجاسات ولخبث ريحها ولأن الأسود من الكلاب يسمى شيطاناً، وعند بعض العلماء لا يحل صيد الكلب الأسود(5) والمراد بهؤلاء الملائكة الذين يطوفون بالرحمة والاستغفار، وأما الحفظة فإنهم يدخلون كل بيت ولا يفارقون ابن آدم في جميع الحالات.
          الخطابي: عدم دخول الملائكة فيما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور فأما ما ليس بحرام مثل كلب الزرع والصيد والماشية، والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع الدخول بسببه.
          أقول: وافق القاضي عياض الخطابي في ذلك واختار النووي أنه عام.
          أقول: العلة التي علل بها لمنع الدخول حاصلة في جميع الكلاب وجميع الصور فيناسبه العموم اللهم إلا أن يقال وإن كانت العلة حاصلة في الجميع لكن حيث جوز الشارع الاقتناء والانتفاع ببعضها يقوم منفعتهم مقام التخصيص، وكذلك الصور التي في الوسائد والبسط فإنها تنتفع بما هي مصورة فيها بخلاف الصور التي تكون في الحيطان ونحوها.
          فإن قلت: الصور التي في الثياب ينبغي أن يجوز لبسها لأنه ينتفع بالثياب التي هي فيها؟ قلت: منع من ذلك مانع، وذلك أنها في حالة اللبس ليست مهانة بخلاف البسط والوسائد، فإنها مهانة لوطئها والقعود عليها فافترقا.
          أقول: وقيل سبب عدم دخول الملائكة بيتاً فيه كلب غلظ نجاسته وذلك أن فمه أشرف منفذ فيه حاشا العين وكذا في كل حيوان ويجب غسل ما أصابه لعابه سبعاً، وليس في حيوان من الحيوانات ذلك.
          وقد نقل عن مالك أنه قال بطهارة كلب الصيد، ذكره في كتاب ((المطارد والمصائد)) لأبي الفتح كشاجم في البزدرة.
          قوله في صورة ولا كلب قيل: كان في بيته ◙ جرو كلب تحت السرير ولم يعلم به النبي صلعم، وذكر أن أمره ◙ بقتل الكلاب كان بسبب هذه القضية ثم نهى عن قتلها.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: الصورة قد تكون في ثوب وحجر وخشب وقد تنمحق وتتلاشى فيوم القيامة كيف يؤمر بالنفخ في معدوم؟ قلت: قدرة الله صالحة واسعة لإعادة المصور فيه ليعاقب به المصور، ثم يفعل الله فيه ما شاء)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: ويحتمل أن يقال أنه كفر بفعله وقصده أن يعبد من دون الله فهو بالحقيقة كفران، والكافر بالله كفر واحد فلهذا صار أشد عذاباً)).
[3] في هامش المخطوط: ((قلت: المضاهاة والمعصية في ذلك أكثر.
أقول: فإن قلت الشجر والحجر المصور قد يعبد أيضاً، فإن كانت العلة كون أنها تعبد فينبغي أن يعذب مصور الشجر أيضاً، وقد سلف أن ابن عباس قال فعليك بالشجر)).
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: حد غسل أعضاء الوضوء معلوم والتجاوز عن ذلك كيف يثاب عليه ويخلى إلى حيث مبلغ الوضوء، فإنه إذا زاد على حد الوضوء غسل الزائد عليه لا يسمى وضوءًا، قلت: أصله حديث الغر المحجلين من آثار الوضوء فإذا جاز في الوجه زيادة على حد الزجر قياساً على باقي أعضاء الوضوء.
فإن قلت: فلو اغتسل لكل صلاة ينبغي أن يحل جميع بدنه؟ قلت: لا لما قلنا أن حديث الغر المحجلين هو أصله)).
[5] في هامش المخطوط: ((أظنه أحمر)).