إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى

          740- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القَعْنَبِيُّ (عَنْ مَالِكٍ) إمام دار الهجرة (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بالحاء المهملة سلمة(1) ابن دينار الأعرج (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) بسكون العين، السَّاعديِّ الأنصاريِّ (قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ) الآمرُ لهم النَّبيُّ صلعم (أَنْ) أي: بأن (يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ(2) اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ) أي: يضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى، والرُّسغ من السَّاعد كما في حديث واثلة المرويِّ عند أبي داود والنَّسائيِّ، وصحَّحه ابن خزيمة. والحكمة في ذلك أنَّ القائم بين يديِ الملك الجبَّار يتأدَّب بوضع يده على يده، و(3) هو أمنع للعبث، وأقرب إلى الخشوع، والرُّسغ: المفصل بين السَّاعد والكفِّ، والسُّنَّة أن يجعلهما تحت صدره لحديثٍ عند ابن خزيمة أنَّه وضعهما تحت صدره(4) لأنَّ القلب موضع النِّيَّة، والعادة أنَّ من احترز على حفظ شيءٍ جعل يديه عليه، وقال في «عوارف المعارف»: إنَّ الله تعالى بلطيف حكمته جعل الآدميَّ محلَّ نظره، ومورد وحيه‼، ونخبة ما في(5) أرضه وسمائه، روحانيًّا جسمانيًّا أرضيًّا سماويًّا، منتصب القامة، مرتفع الهيئة، فنصفه الأعلى من حدِّ(6) الفؤاد مُستودَع أسرار السَّموات، ونصفه التَّحتانيُّ مُستودَع أسرار الأرض، فمحلُّ نفسه ومركزها النِّصفُ الأسفل، ومحلُّ روحه الرُّوحانيُّ والقلب النِّصفُ الأعلى فجواذب الرُّوح مع جواذب(7) النَّفس يتطاردان ويتحاوران(8) ويتجاذبان(9) ويتحاربان(10) ويتحادثان(11)، وباعتبار تطاردهما وتغالبهما لمَّة الملَك ولمَّة الشَّيطان، ووقت الصَّلاة يكثر التَّطارد لوجود(12) التَّجاذب بين الإيمان والطَّبع، فيكاشف المصلِّي الَّذي صار قلبه سماويًّا، متردِّدًا بين الفناء والبقاء بجواذب النَّفس، متصاعدًا من مركزها، وللجوارح وتصرُّفها وحركتها مع معاني الباطن ارتباطٌ وموازنةٌ، فبوضع اليمين(13) على الشِّمال حَصْرٌ للنَّفس ومَنْعٌ من صعود جواذبها، وأثر ذلك يظهر برفع الوسوسة وزوال حديث النَّفس في الصَّلاة. انتهى. وروى ابنُ القاسم عن مالكٍ الإرسالَ، وصار إليه أكثر أصحابه، وعن الحنفيَّة: يضع يديه تحت سرَّته إشارةً إلى ستر العورة بين يدي الله تعالى، وكان الأصل أن يقول: يضعون، فوضع المُظهَر موضع المُضمَر. (قَالَ أَبُو حَازِمٍ) الأعرج: (لَا أَعْلَمُهُ) ولابن عساكر: ”ولا أعلمه“ أي: الأمر (إِلَّا) أنَّ سهلًا (يَنْمِي ذَلِكَ) بفتح أوَّله، أي: يسنده ويرفعه (إِلَى النَّبِيِّ صلعم ).
           (قَالَ إِسْمَاعِيلُ) هو ابن أبي أويسٍ، لا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ولابن عساكر: ”قال محمَّدٌ: قال إسماعيل“ ويعني بمحمَّدٍ: المؤلِّف (يُنْمَى ذَلِكَ) بضمِّ الياء وفتح الميم بالبناء للمفعول (وَلَمْ يَقُلْ) أبو حازمٍ: (يَنْمِي) بفتح أوَّله وكسر الميم؛ كرواية القَعْنَبِيِّ.


[1] «سَلَمة»: ليس في (ب) و(س).
[2] في (ب) و(س): «يده».
[3] في (ب) و(س): «أو».
[4] في ابن خزيمة (479): «ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره».
[5] «ما في»: ليس في (د).
[6] «حدِّ»: ليس في (د).
[7] في (م): «فحوادث القلب مع حوادث».
[8] «ويتحاوران»: ليس في (د) و(س).
[9] «ويتجاذبان»: مثبتٌ من (ص).
[10] «ويتحاربان»: ليس في (د).
[11] «ويتحادثان»: مثبتٌ من (ص).
[12] في (م): «لوجوب».
[13] في غير (ص) و(م): «اليمنى».