عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: {والذين لم يبلغوا الحلم}
  
              

          ░124▒ (ص) بَابُ قَولِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ}[النور:58].
          (ش) أي: هذا بابٌ في قوله ╡ : {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ}[النور:58]، [وقبله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ}... إلى قوله: {وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:58] وفي «تفسير النَّسَفِيِّ» عن ابن عَبَّاس ☻: وجَّه رسولُ الله صلعم غلامًا مِنَ الأنصار _يقال له: مدلج بن عَمْرو_ إلى عُمَر بن الخَطَّاب ☺ وقت الظهيرة ليدعوَه، فدخل فرأى عمرَ بحالةٍ كره عمرُ رؤية ذلك، فقال: يا رسول الله؛ وددتُ لو أنَّ الله أمرنا ونهانا في حالة الاستئذان، فنزلت هذه الآية، وقال مُقاتلٌ: نزلت هذه الآية في أسماء بنت مُرشِد الحارثيَّة، وكان لها غلامٌ كبيرٌ، فدخل عليها في وقتٍ كرهته، فأتت رسول الله صلعم فقالت: إنَّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالةٍ نكرهها، فأنزل الله الآيةَ، قيل: ظاهر الخطاب للرجال، [والمراد به الرجال والنساء تغليبًا للمذكَّر على التَّأنيث، قال الإمام: والأولى أن يكون الخطاب للرجال] والحكم ثابتٌ للنساء بقياسٍ جليٍّ؛ لأنَّ النِّساء في باب حفظ العورة أشدُّ حالًا مِنَ الرجال، ومعنى الكلام: ليستأذنكم مماليكُكم الدخولَ عليكم، قال أبو يَعْلَى: والأظهر أن يكون المراد العُبَيد الصغار؛ لأنَّ العبد البالغ بمنزلة الحرِّ البالغ في تحريم النظر إلى مولاته.
          ({وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُم}) أي مِنَ الأحرار مِنَ الذكور والإناث.
          قوله: {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} أي: ثلاث أوقاتٍ في اليوم والليلة؛ {مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ} لأنَّه وقت القيام مِنَ المضاجع وطرح ما ينام فيه مِنَ الثياب ولبس ثياب اليقظة، {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} القائلة {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} لأنَّه وقت التجرُّد مِن ثياب اليقظة، والالتحاف بثياب النوم، وإِنَّما خصَّ هذه الأوقات لأنَّها ساعات الغفلة والخلوة، ووضع الثياب والكسوة.
          قوله: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} سمَّى كلَّ واحدة مِن هذه الأحوال عورةً لأنَّ الناس يختلُّ تستُّرهم وتحفُّظهم فيها، و(العورة) الخلَل.