عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب إنكاح الرجل ولده الصغار
  
              

          ░38▒ (ص) بِابُ إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وُلْدَهُ الصِّغَارَ.
          (ش) أي: هذا في بابٌ في بيان جواز (إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وُلْدَهُ الصِّغَارَ) بِضَمِّ الواو وسكون اللام، جمع (وَلَدٍ)، ويروى بفتح الواو والدال، وهو اسم جنسٍ يتناول الذكور والإناث.
          (ص) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق:4] فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
          (ش) ذكر قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}... إلى آخره في معرض الاحتجاج في جواز تزويج الرجلِ ولدَه الصغير، بيانه: أنَّ الله تعالى لمَّا جعل عدَّتها ثلاثة أشهرٍ قبل البلوغ دلَّ ذلك على جواز تزويجها قبله.
          قيل: ليس في الآية تخصيص ذلك بالآباء ولا بالبكر، فلا يتمُّ الاستدلال.
          وأجيب بأنَّ الأصل في الأبضاع التحريم إلَّا ما دلَّ عليه الدليل، وقد ورد في حديث عائشة أنَّ أبا بكرٍ ☺ زوَّجها وهي دون البلوغ، فبقي ما عداه على الأصل، ولهذه النكتةِ أورد حديثَ عائشة في هذا الباب، وقال صاحب «التلويح»: وكأنَّ البُخَاريَّ أراد بهذه الترجمة الردَّ على ابن شُبْرُمَة، فإنَّ الطَّحَاويَّ حكى عنه أنَّ تزويج الآباء الصغار لا يجوز، ولهنَّ الخيار إذا بلغن، قال: وهذا لم يقل به أحدٌ غيره، ولا يُلْتَفت إليه لشذوذه ومخالفته دليل الكتاب والسُّنَّة، وقال المُهَلَّب: أجمعوا على أنَّهُ يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يُوطَأ مثلها لعموم قوله تعالى: {وَاللَّائِي}[الطلاق:4] فيجوز نكاح مَن لم يحضن مِن أَوَّل ما يُخلَقْ، وإِنَّما اختلفوا في غير الآباء، وقال ابن حزمٍ: لا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذَّكَر حَتَّى يبلغ، فإن فعل فهو مفسوخٌ أبدًا، واختاره قومٌ.
          وفيه دليلٌ على جواز نكاحٍ لا وطءَ فيه؛ لعلَّةٍ بأحد الزوجين لصغرٍ أو آفةٍ أو غير إربٍ في الجماع، بل لحسن العشرة والتعاون على الدهر وكفاية المؤنة والخدمة، خلافًا لمن يقول: لا يجوز نكاحٌ لا وطءَ فيه، يؤيِّده حديث سودة، وقولها: (ما لي في الرجال / مِن إربٍ).