عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إلى من ينكح؟وأي النساء خير
  
              

          ░12▒ (ص) بابٌ إِلَى مَنْ يَنْكِحُ، وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان مَن إذا أراد أن يتزوَّج ينتهي أمره إلى مَن يتزوَّج مِنَ النساء، أو إلى مِنَ يعقد، وقد ذكرنا أنَّ (النكاح) يأتي بمعنى التزوُّج وبمعنى العقد، وقد اشتملت هذه الترجمة على ثلاثةِ أنواع، وحديث الباب واحد، الأَوَّل: قوله: (إِلَى مَنْ يَنْكِحُ) والثاني: قوله: (وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟) والثالث: (وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ)، ومِنَ الحديث تؤخذ المطابقة للأَوَّل والثاني ظاهرًا، والثالث لا تُؤخَذ إلَّا بطريق اللزوم، بيانه: أنَّ الذي يريد النكاح ينبغي أن يتزوَّج مِن قريش؛ لأنَّ نساءهنَّ خير النساء، وهذان نوعان ظاهران في المطابقة، [وأَمَّا النوع الثالث فهو أنَّهُ لمَّا ثبت أنَّ نساء قريشٍ خيرُ النساء، وأنَّ الذي تزوَّج منهنَّ قد خيَّر لنطفه لأجل أولاده، وهذا لا يفهم مِنَ الحديث صريحًا، ولكن بطريق اللزوم]، على أنَّا نقول: يحتمل أنَّهُ أشار إلى حديثٍ أخرجه ابن ماجه مِن حديث عائشة مرفوعًا: «تخيَّروا لنطفكم، وأنكحوا الأَكْفَاء»، وأخرجه الحاكم أيضًا وصحَّحه.
          فَإِنْ قُلْتَ: كيف يكون نساءُ قريش أفضلَ مِن مريم أمِّ عيسى ♂ ، ولا سيَّما على قول مَن يقول: إنَّها نبيَّة؟
          قُلْت: أجاب بعضهم بأنَّ في الحديث: «خير نساءٍ ركبن الإبل»، ومريم ♀ لم تركب بعيرًا.
          قُلْت: هذا جوابٌ لا يُجدي، وقد أطنب هذا القائل هنا كلُّه غير كافٍ، ويمكن أن يُجَاب عن هذا بأنَّه صلعم قيَّد بقوله: «صالحو نساء قريش»، ومريم ♀ ليست مِن قريش، وقال النوويُّ: يعني: خير مِن خير؛ كما يقال: أحسنهم كذا؛ أي: مِن أحسنهم، أو أحسن من هنالك، وقد يقال: إنَّ معنى قوله صلعم : «خير نساء رَكِبْنَ الإبل صالحو نساء قريش» يعني: في زمانهنَّ.
          قوله: (مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ) أراد به أنَّ الذي ذكره في هذه الترجمة مِنَ الأنواع الثلاثة ليس مِن باب الإيجاب، بل هو مِن باب الاستحباب.