عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن}
  
              

          ░123▒ (ص) بابٌ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}... إِلَى قَوْلِهِ: {لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}[النور:31].
          (ش) أي: هذا بابٌ في قوله ╡ : ({وَلَا يُبْدِينَ}) أي: ولا يُظهِرن، ({زِينَتَهُنَّ}) يعني: ما يتزيَّنَّ مِن حُليٍّ أو كُحلٍ أو خضابٍ، والزينة منها ما هو ظاهرٌ؛ وهو الثياب والرداء، فلا بأسَ بإبداء هذا للأجانب، ومنها ما هو خفيٌّ؛ كالخلخال والسوار والدُّملُج والقُرط والقِلادة والإكليل والوِشاح، ولا يبدينَها ({إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}) وهو جمع (بَعْل) وهو الزوج، ({أََوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ}) وهو جمع (أخٍ) ({أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخْوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ}) قال الزَّمَخْشَريُّ: قيل في {نسائهنَّ} هنَّ المؤمنات؛ لأنَّه ليس للمؤمنة أن تتجرَّد بين يدي مشركةٍ أو كتابيَّةٍ، والظاهر أنَّهُ عنى بـ(نسائهنَّ وما ملكت أيمانهنَّ) في صحبتهنَّ وخدمتهنَّ مِنَ الحرائر والإماء، والنساء كلُّهنَّ سواءٌ في حلِّ نظر بعضهنَّ إلى بعضٍ، وقيل: {مَا مَلَكت أيمانهنَّ} هم الذكور والإناث جميعًا.
          قوله: ({أَوِ التَّابِعينَ}) هم القوم الذين يتبعون القومَ ويكونون معهم؛ لإرفاقهم إيَّاهم، أو لأنَّهم نشؤوا فيهم، ({غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ}) أي: الحاجة ({مِنَ الرِّجَالِ}) ولا حاجة لهم في النساء ولا يشتهونهنَّ، وقيل: التابع الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، وقيل: هو الأبلهُ الذي يريد الطعام ولا يريد النساء، وقيل: العِنِّين، وقيل: الشيخ الفاني، وقيل: إنَّهُ المجبوب، والمعنى: لا يبدين زينتهنَّ لمماليكهنَّ ولا أتباعهنَّ إلَّا أن يكونوا غير أولي الإربة ({أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}) فيطَّلعوا عليها، قيل: {لم يَظهَروا} إمَّا مِن ظهَر على الشيء؛ إذا اطَّلع عليه؛ أي: لا يعرفون ما العورة، ولا يميِّزون بينها وبين غيرها، وإمَّا مِن ظهر على فلان؛ إذا قويَ عليه؛ أي: / لم يبلغوا أوانَ القدرة على الوطء، وقال المفسِّرون: هذه الآية نزلت بعد الحجاب، ثُمَّ الزينة هي الوجه والكفَّان، وقيل: اليدان إلى المرفقين، وقال المُهَلَّب: إِنَّما أُبيح للنساء أن يبدين زينتهنَّ لمَن ذُكِر في هذه الآية إلَّا في العبد، وعن سعيد بن المُسَيَِّبِ: لا يغرَّنَّكم هذه الآية، إِنَّما عنى بها الإماء، ولم يَعنِ به العبيد، وكان الشعبيُّ يكره أن ينظرَ المملوك إلى شعر مولاته، وهو قول عطاءٍ ومجاهدٍ، وعن ابن عَبَّاسٍ: يجوز ذلك، فدلَّ على أنَّ الآية عنده على العموم في المماليك، وقيل: لم يذكر في الآية الخال والعمَّ؟ وأجيب بأنَّه استغنى عن ذكرهما بالإشارة إليهما؛ لأنَّ العمَّ ينزل منزلة الأب، والخال منزلة الأمِّ.