التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: أن نبي الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش

          3976- الحديث العاشر: حديث قَتَادَةَ قَالَ: (ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ) وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حَرَام بن عمرو بن زيد مَناة بن عَديِّ بن عُمير بن مالك بن النَّجَّار، ابنُ عمِّ حسَّان بن ثابت بن المنذر بن حَرَام (أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلعم أمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ...) الحديث.
          والطَّوِيُّ: البئر المطويَّةُ، زاد الخطاَّبيُّ: وضُرِبَت بالحجارة لئلَّا تنهار، و(الرَّكِيِّ) البئرُ قبلَ أن تُطوى، والأطواء جمع طَوِيٍّ، والصَّنَادِيْدُ العظماءُ، والخَبِيثُ ضدُّ الطَّيِّب، وأخبثَ الرَّجلُ إذا كان أصحابُه خُبثاء، فكأنَّهُ استعار للطَّوِيِّ ذلك لمَّا دخلوا فيه، فهو خبيث في نفسه مُخْبِث بهم، والعَرْصَةُ بسكون الرَّاء كلُّ جَوْبَةٍ مُنْفَتِقة لا بناءَ فيها. والْقَلِيبُ مثل الرَّكِيِّ، وقيل: البئر العادية.
          وقوله لمَّا نَادَاهُم عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ وقَالَ له عُمَرُ: (مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا رُوحَ فِيهَا) قال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً)، قال الخطَّابيُّ: هذا أحسنُ مِنِ ادِّعاء عائشةَ على ابن عمر الغلطَ كما يأتي بعدُ، قال: ويؤيِّدُ ما رواه ابن عمر حديثُ أبي طلحة هذا، وأجاب بعضُهم بأنَّهُ جائز أن يسمعوا في وقتٍ ما أو في حال ما، فلا تَنافَي وقد قال: ((إنَّهُ ليَسْمُعُ قرعَ نِعَالهم))، وسؤالُ الملكين له في قبره وجوابه لهما وغير ذلك مما لا يُنْكَر، وقد روى ابنُ عبَّاس ☻ مرفوعًا: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَمرُّ بِقَبرِ أخيهِ المؤمنِ كان يَعْرفهُ في الدُّنيا فيُسلِّمُ عَلِيهِ، إلَّا عَرَفهُ وردَّ عليه السلام))، ذكره أبو عمر في «تمهيده»، وقال الإسماعيليُّ: إنْ كانت عائشة قالت ما قالته رواية، فرواية ابن عمر: إنَّهم يسمعون، وعِلْمهم لا يمنع مِنْ سماعهم، وأمَّا تلاوتها الآية فهو: لا تسمعهم ولكنِ اللهُ، والإسماعُ ليس الصَّوتَ مِنَ المُسمِع أو وقوعَ الصَّوت في أُذن السَّامع، وإنَّما المراد الاستجابة فعليه التَّبليغ والدُّعاء وعليهم الإجابة، ولا يقع ذلك إلَّا بالتَّوفيق.
          قال السُّهيليُّ: وعائشةُ لم تحضر وغيرُها ممَّن حضرَ أحفظُ لِلَفْظِهِ، وقد قالوا له: أَتُخاطبُ قَوْمًا قَدْ جِيفُوا؟ فقال: ((مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لما أَقُولُ مِنْهُمْ)) وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالِمين، جاز أن يكونوا سامعين: إمَّا بآذان رؤوسهم إذا قلنا: إنَّ الأرواح تُعادُ في الأجساد عند المساءلة وهو قول الأكثر مِنْ أهل السُّنَّة، وإما بآذان القلب أو الرُّوح على مذهب من يقول بتوجيه السُّؤال إلى الرُّوح مِنْ غير رجوع منه إلى الجسد أو إلى بعضه.
          فإنْ قلتَ: فما معنى إلقائهم في القَليب؟ قلتُ: لأنَّ مِنْ سُنَّته في مغازيه إذا مرَّ بجيفةِ إنسانٍ أمرَ بدفنِه ولا يسألُ عنه، كما أخرجه الدَّارَقُطْنيُّ، فإلقاؤهم مِنْ هذا الباب، غير أنَّهُ كره أن يشقَّ على أصحابه كثرةُ الجِيَف، فكان جَرُّهم إلى القَليب أيسرَ عليهم، ووافق أنَّ البئرَ حفرَهُ رجل من بني النَّار كما سيأتي، فكان مآلًا لهم.