التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق

          ░16▒ (بَابُ: قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الحُقَيْقِ
          وَيُقَالُ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الحُقَيْقِ، وكَانَ بِخَيْبَر، وَيُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الحِجَازِ، قَالَ الزُّهْريُّ: هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ).
          4038- ثُمَّ ذكر فيه مِنْ حديثَ ابنِ أبي زَائِدَةَ، وهو يحيى بن زكريَّا بن أبي زائدة الهَمْدانيُّ (عَنْ أَبِيْهِ) زكريَّا الأعمى (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ / عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ☻ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ).
          4039- ثُمَّ أخرجه مِنْ حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء.
          4040- ومِنْ حديث إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاقَ عن البراء، وقد سلف في الجهاد في باب: قتل النائم المشرك [خ¦3022]، مِنَ الطَّريق الأوَّل مُطوَّلًا ومختصرًا، وأسلفنا ثَمَّ الاختلافَ في وقتها.
          ومعنى (تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ) تغطَّى، و(عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ) هو ابنُ قيس بن الأسود بن مرِّي بن كعب بن غَنْمٍ أخي كعب ابنَي سَلَمة، وبنو غُنْم بن سَلَمة حلفاءُ بني أخيه كعب بن سَلَمة.
          وقولُه: (ثُمَّ عَلَّقَ الأَعَالِيقَ عَلَى وَدٍّ) الأعاليقُ _بالعين المهملة_ جمعُ أعليقٍ وهو المفتاح، ومعنى علَّقها: علَّق المفتاح كذا للأَصيليِّ، ولغيره: علَّق وأعلق سواءٌ، ولأبي ذرٍّ: <الأغاليق> بالمعجمة، والصَّواب بالمهملة، وهو بالمعجمة: ما يُغْلَق به الباب، وكذا المُغلوق بالضَّمِّ، والوَدُّ الوتِدُ، والأَقَالِيدُ المفاتيح بلغة أهل اليمن، واحدُها إقليدٌ، والمِقْلَد: مفتاحٌ كالمِنْجَل ربَّما يُقلَدُ به الكلأُ.
          وقوله: (وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يَسْمَرُ عِنْدَهُ) أي يتحدَّث.
          وقوله: (فِي عَلَالِيَّ لَهُ) يريدُ في علوٍّ، وهو جمع عُلِّيَّةٍ وهي الغرفة.
          وقوله: (نَذِرُوا بِي) أصلُ الإنذارِ الإعلامُ بالشَّيء الَّذي يُحذَر منه، فكلُّ مُنذِرٍ مُعلِمٌ، وليس كلُّ مُعلِمٍ مُنذِرًا، يقال: أَنْذَرْتُهُ فَنَذِرَ، أي أعلمتُه فعَلِم.
          وقوله: (فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوتِ) أي أتيتُ نحوه.
          وقوله: (ثُمَّ وَضَعْتُ ضَبِيْبَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ) قال الخطَّابيُّ: كذا هو (ضَبِيْب) وما أُراه محفوظًا، وإنَّما هو ظبة السَّيف، وهو حدُّ حرف السَّيف في طرفه، ويجمع على الظِّبَابِ والظَّبين، وأمَّا الضَّبيب فلا أدري له معنًى يصحُّ في هذا، إنَّما هو مِنْ سيلان الدَّم مِنَ الفمِ، يقال: ضَبَّت لِثَتُهُ ضَبيبًا، وقال القاضي عياضٌ: هو بالصَّاد المهملة لأبي ذرٍّ وكذا للحربيِّ، وقال: أظنُّه طرفه، ورواية أبي زيدٍ والنَّسَفيِّ بالضَّاد المعجمة، وهو حرفُ طرفِ السَّيف، وقال القابسيِّ: المعروف فيه: ضبة.
          وقوله: (فَقَالَ: أَنْعِي أَبَا رَافِعٍ) كذا هو ثابتٌ، وقال ابن التِّينِ: قوله: (أَنْعِي أَبَا رَافِعٍ) أي أنعوه، قال: وهي لغةٌ، ذكره الدَّاوُديُّ، وهو خبرُ الموت، وكذا النَّاعي يقال له: نَعيُ فُلانٍ، ويقال: نعي فلان، أي أنعه وأنعاه، استُعِمل خبرًا وأمرًا.
          وقولُه: (فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ) كذا هو بالهمزة، وذكره ابن التِّينِ بغير همزٍ، ثُمَّ قال: صوابه الهمز، (هَدَأَتِ) سكنت ونام النَّاس.
          وقوله قبله: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ) كذا وقع: (عَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ) وصوابُه: وعبد الله بن أُنَيسٍ كما أسلفناه في الجهاد [خ¦3022].
          وقوله: (ثُمَّ انْكَفَأَ عَلَيهِ) أي انقلبَ.
          وقوله: (أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ) الحَجْل: أن يرفع رِجْلًا ويقف على الأخرى مِنَ الفرح وقد يكون بالرِّجلين جميعًا إلَّا أنَّهُ قفزٌ، وليس بشيءٍ، وقال اللَّيث: الحَجْل مشيُ المُقيَّد، وقال ابن فارسٍ: حَجَلَ في مِشيَتِه إذا تبخترَ، قال: قال قومٌ: حَجَل في مشيتِه إذا مشى كمِشيةَ المقيَّد يقارب خطوه مثل ما قدَّمناه عن اللَّيث.
          قوله: (وَمَا بهِ قَلَبَةٌ) هو بفتح القاف واللَّام، أي ما به عِلَّةٌ يقلب لها فينظر إليه، قاله ابن فارسٍ، وقال الدَّاوُديُّ: أصل هذِهِ اللَّفظة داءٌ يعتري الإبل يُقال له: القُلاب فإذا ذهب عن البعير قيل: ما به قلبةٌ، وصار ذلك يقال لكلِّ مَنْ برأ مِنْ عِلَّةٍ ولا عِلَّة به، وقال ابنُ فارسٍ: القُلاب يأخذُ البعيرَ والإنسان يشتكي قلبه، وقد سلف أوضح مِنْ ذلك في الجهاد.
          واعلم أنَّ في الرِّواية الأولى أنَّهُ ضربَه ضربةً ثُمَّ ضربه، ثُمَّ وضع السَّيف في بطنه وكذا في الثَّانية، وكذا سلف هناك في الجهاد، ولا تنافيَ خِلاف ما ادَّعاه ابن التِّينِ أنَّ في الرِّواية الأولى: ضربه ضربتين، وفي حديثه الثَّاني ثلاثًا، وقد يسقط بعض العدة في بعض الرِّوايات، قال: والزِّيادة مِنَ الثِّقات مقبولةٌ.
          وقوله في الأولى: (فَانْكَسَرَتْ سَاقِي) وفي الأخرى: (فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي) قال الدَّاوُديُّ: وهذا اختلافٌ، وقد يتجاوز في أن يعبَّر عن أحدهما بالآخر، لأنَّ الخلعَ هو زوالُ المفاصل مِنْ غير بينونةٍ.
          وقوله: (فَمَسَحَها فَكَأنَّما لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ) وقال في الرِّواية الثَّانية: (فَلمَّا سَمِعْتُ النَّاعِيةَ قُمتُ أَمْشِي وَمَا بي قَلَبَةٌ) قال ابن التِّينِ: إن كان هذا محفوظًا فببركة دعائه ◙، ولعلَّه دَعَا لهم حين أرسلهم.
          وقوله: (ثُمَّ عَلَّقَ الأَعَاليقَ عَلَى وَدٍّ) وقال في الثَّانية: (وَرَأَيْتُ صَاحِبَ البَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الحِصْنِ فِي كَوَّةٍ).
          وقوله في الأوَّل أنَّهُ لمَّا سمعَ النَّاعيةَ انطلق إلى أصحابه فقال: (النَّجَاءَ، فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَحَدَّثْتُهُ)، وقال في الثَّاني: إنَّهُ خَرَجَ يَحجُلُ فَقَال: (انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللهِ صلعم فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعيةَ) إلَّا أن يُرَادَ في الأولى أنَّهُ انطلقَ إلى أصحابه، أي أدركَهم يسيرونَ، وفيه بُعْدٌ.