التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب غزوة تبوك

          ░78▒ (بَابُ: غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ غَزْوَةُ العُسْرَةِ)
          ذكر فيه ثلاثة أحاديث
          4415- أحدها: حديث أَبِي مُوسَى ☺: (أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم أَسْأَلُهُ الحُمْلَانَ لَهُمْ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ، وَهيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ...) فَقَالَ: (وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ) ثُمَّ بعث إليه فحملهم... الحديث.
          4416- ثانيها: حديث يَحْيَى: (عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا ☺، قَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حدَّثَنا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ مُصْعَبًا).
          4417- ثالثها: حديث يَعْلَى ☺: (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم العُسْرَةَ).
          فذكرَ حديثَ العضِّ، وقد سلف في الإجارة [خ¦2265].
          الشَّرح: (تَبُوكَ) المشهور فيها ترك الصَّرْف للتَّأنيث والعلميَّة، وجاء في موضعٍ مِنَ البُخَاريِّ: ((حتَّى بَلَغَ تَبُوكًا)) تغليبًا للموضع، وسُمِّيت (تَبُوك) بالعين التي أمر رَسُولُ الله صلعم النَّاس ألَّا يمسُّوا مِنْ مائها شيئًا، فسبق إليها رجلان، وهي تبضُّ بشيءٍ مِنْ ماءٍ، فجعلا يُدْخِلان فيها سهمين ليكثر ماؤها، فسبَّهُمَا رَسُولُ الله صلعم، وقال لهما فيما ذكر القُتَبيُّ: ((مَا زِلْتُما تَبُوكانِها منذُ اليَوْم)) قاله القُتَبيُّ، فبذلك سُمِّيت العين تبوك، والبَوك كالنَّبْش والحَفْر في الشَّيء، يقال منه: بَاكَ الحمار الأَتَان يبوكها إذا نَزَا عليها، قلت: قد سمَّاها رَسُول الله صلعم بذلك، ففي «صحيح مسلمٍ»: ((إنَّكُم سَتَأتون عينَ تبوك غدًا إنْ شَاء الله، وإنَّكُم / لن تَأْتُوهَا حتَّى يُضْحِي النَّهَار، فَمَنْ جَاءها فلا يمسَّ مِنْ مِائهَا شَيْئًا حتَّى آتِي)) ولابن إسحاق: فقال: ((مَنْ سَبقَ إليها)) قالوا: يا رَسُولَ الله، فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ، وعند الواقديِّ: سبقه إليها أربعةٌ مِنَ المنافقين مُعَتِّبُ بن قُشيرٍ، والحارِثُ بن يَزِيدَ الطَّائِيُّ، ووَدِيعَةُ بنُ ثابِتٍ، وزَيْدُ بنُ لُصَيتٍ.
          وذكر ابن عائذٍ أنَّهُ ◙ اغترفَ غُرْفةً منها فمضمض بها فَاهُ، ثُمَّ بصقَهُ فيها، ففارت عينُها حتَّى امتلأت حتَّى السَّاعة، وبينها وبين المدينة أربعةَ عشرَ مرحلةً، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلةً، وهي آخر غَزاةٍ غزاها بنفسِه، وخرج إليها _كما قال ابن سعدٍ_ في رجبٍ سنة تسعٍ يوم الخميس، وسُمِّيت العسرة كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:117]، وخرجوا في حرٍّ شديدٍ، وكان الرَّجلان والثَّلاثة على البعير الواحدِ، فعطشوا يومًا عطشًا شديدًا، فأقبلوا ينحرون الإبل ويشرمون أكراشها ويشربون ما فيها، فكان ذلك عُسْرةً مِنَ الماء، وعُسْرةً مِنَ الظَّهر، وعُسْرةً مِنَ النَّفقة، وكان إذا أرادَ غزوةً ورَّى بغيرِها غيرَها، فإنَّهُ أعلمَهم بها ليأخذوا عدَّة سفرِهم، وليتأهَّبوا له لبُعده ومشقَّته، ولمَّا بلغَه أنَّ الرُّوم جمعت جموعًا كثيرةً بالشَّام، وأنَّ هِرَقْل قد رزقَ أصحابَه لسَنَةٍ، وأجلبت معه لَخْمٌ وجُذَامٌ وعاملة وغسَّان، وقَدِموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندبَ رَسُولُ الله صلعم النَّاسَ إلى الخروج، وأعلمَهم بالمكان الَّذي يريد ليتأهَّبوا لذلك، وذَلِكَ في حرٍّ شديدٍ، واستخلفَ على المدينة مُحمَّد بن مَسْلَمة، وهو أثبتُ عندنا، وخالفَه ابنُ عبد البرِّ، فقال: الأَثبتُ: عليُّ بن أبي طالبٍ، فلمَّا سار تخلَّف ابنُ أُبيٍّ ومَنْ كان معه، فقَدِم ◙ تبوكَ في ثلاثين ألفًا مِنْ النَّاس، وكانت الخيلُ عشرة آلافٍ، وأقام بها عشرين يومًا، يَقْصُر الصَّلاة، وعند ابن سعدٍ: بضعةَ عشرَ يومًا، ولحقه أبو ذرٍّ وأبو خَيْثَمة السَّالميُّ، ثُمَّ انصرف ◙ ولم يلقَ كيدًا، وقدم المدينة في رمضان سنة تسعٍ، وعند البَيْهَقيِّ: كان معه زيادةٌ على ثلاثين ألفًا مِنَ النَّاس، وحمل فيها عثمانُ على ثلاث مئة بعيرٍ بأَحْلَاسها وأَقْتَابها، وعند الواقديِّ: بسبع مئة بعيرٍ ومئة فرسٍ، وفي «الصَّحابة» لابن الأثير عن أبي زُرْعة: شهد معه تبوك أربعون ألفًا، وفي «كتاب الحاكم» عن أبي زُرْعة: سبعون ألفًا، ويجوز أن يكون عدَّ مرَّةً المتبوع، ومرَّةً المتبوع والتَّابع.
          قال البَيْهَقيُّ: وقد رُوي في سبب خروجه ◙ إلى تبوك وسبب رجوعه خبرٌ إن صحَّ، ثُمَّ ذكر مِنْ حديث شَهْر بن حَوْشَبٍ عن عبد الرَّحمن بن عثمان: أنَّ اليهود أتَوا رَسُولَ الله صلعم، فقالوا: يا أبا القاسمِ، إنْ كنتَ صَادقًا أنَّكَ نبيٌّ فالحقْ بالشَّام فإنَّها أرضُ المحشر وأرضُ الأنبياء، فصدَّق ما قالوا، فغَزَا غزوةَ تَبُوك لا يريد إلَّا الشَّامَ، فلمَّا بلغ تبوكَ أنزل الله عليه آياتٍ مِنْ سورة بني إسرائيل: {وإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا...} إلى قوله: {تَحْوِيلًا} [الإسراء:76-77]، وأمرَه تعالى بالرُّجوع إلى المدينة، وقال: ((فِيهَا مَحيَاكَ، وفِيَها مَماتُكَ، ومِنهَا تُبْعَثُ)) الحديث.
          فصلٌ: ولمَّا رجع أمرَ بهدمِ مسجد الضِّرار، وسمَّى لحذيفةَ المنافقين الَّذين أرادوا المكر به، وهم: عبدُ الله بن سَعْد بن أبي سَرْحٍ، وأبو حَاضِرٍ الأعرابيُّ، وعامرٌ وأبو عَامِرٍ الرَّاهب، وهو رأسهم ولأجله بُنِي المسجد، والجلَّاس بن سُويد بن الصَّامت، ومُجَمِّعُ بْنُ حارثةَ، ومُلَيحٌ التَّميميُّ، وحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، وطُعْمَةُ بن أُبَيرقٍ، وعبد الله بن عُيَيْنة، ومُرَّة بن الرَّبيع، قال: ومات هؤلاء الاثنا عشر منافقين محارِبِين لله ولرسول الله صلعم، وادَّعى ابن الجَوزيِّ أنَّ الجلَّاس تابَ وحَسُنَت حاله، وقال ابن حبيبٍ في مُجَمِّعٍ: له استقامةٌ وصحبةٌ.
          فصلٌ: ومِنَ المنافقين على زمنه أَوْسُ بن قَيْظيٍّ، وبِجَادُ بن عُثمان الضَبْعِيُّ، وكان ممَّن بنى مسجد النِّفاق، وكذلك بَحْزَج، وبِشْر بن أُبَيرق أبو طُعْمةَ، وبِشْر بن زيَّاد أخو رَافِعٍ، وثَعْلَبةُ بن حَاطِبٍ، وجَارية بن عَامِر بن مُجَمِّعٍ، والجدُّ بن عَبْد الله مِنْ أصحاب عقبة تبوك، والجدُّ بن قَيْسٍ، والحَارِثُ بن زَيْدٍ أحدُ مَنْ سبق إلى عين تبوك، والحَارِثُ بن سُوَيدٍ الَّذي قتل الْمُجَذَّر، وحَاطِب بن أميَّةَ بن نَافِعٍ، وحُدَير بن أبي حُدَيرٍ، وخِذَام بن خَالِدٍ، وخِذَام بن وَدَاعة، ودَاعِسٌ اليهوديُّ، ودريُّ بن الحَارِث الأوسيُّ، ورَافِع بن حُرَيْمِلة، ورَافِع بن زيادٍ، ورَافِع بن زيدٍ، ورِفَاعة بن رَافِعٍ، وقيل: رِفَاعة بن زيد بن التَّابُوت عمُّ قَتَادةَ بن النُّعمان، وقيل: تاب، وزَيْدُ بن جَارِية، وقيل: يزيد، وقيل: تاب، وزيد بن عمرٍو، وزبيد بن اللَّصِيت، وقيل: النَّصيت، وسَعْد بن حُنِيفٍ، وسَعْد بن زُرَارة، وَسِلْسِلَةَ ابْن بِرْهامٍ، وسلالة بن الحمام، وسُوقة بن عَدِيٍّ السَّاعديُّ، وسُويدٌ اليهوديُّ، والضَّحَّاك بن خَلِيفة، وعبد الله بن أُبيٍّ، وعبد الله بن نَبتَل، وعبَّادُ بن حُنَيفٍ، وعَدِيُّ بن رَبِيعة، وعقبة بن كُدَيمٍ، وقُزْمَان، وقيس بن رِفَاعة، وقَيْسُ بن زيدٍ، وقيل: ابن يزيد، وقَيْسُ بن عَمْرٍو، وكِنَانة بن صُورِيا، ومالك بن أبي نوفل، ومُبَشِّر بن أُبَيرق، وقال ابن ماكولا: له صحبةٌ واستقامةٌ، ومَخْشيُّ بن حمير الأشجعيُّ، وقيل: تاب، ومِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيٍّ الأَعْمى، ومَسْعُود بن أَوْس بن زيد بن أَصْرم، ومُعَتِّبُ، وقيل: مُغِيث بن قُشَيرٍ، ومَعْمَر بن عَمْرو بن أوفى، ونَبْتَل بن الحَارِث، ووديعة بن جِذَامٍ، ووَدِيعةُ بن ثَابِتٍ، ووَدِيعةُ بن عامرٍ، ويَزيد بن جَارِية بن مُجَمِّعٍ، وقيل: تاب، وقد سلف، وأبو خَيْثَمة بن الأَزْعر.
          فصلٌ: قوله في الحديث الأوَّل: (خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ القَرِينَيْنِ) أراد: النَّظيرين المتساويين في السِّنِّ.
          وقوله: (هَذَيْنِ) قال ابن التِّينِ: صوابُه: هاتين، لأنَّ القرينين مؤنَّثتان.
          وقوله: (ابْتَاعَهُمْ) وفي بعض النُّسخ: <ابْتَاعَهُنَّ> وهو صوابه، أو ابتاعها لأنَّهُ جمعُ ما لا يَعْقِل.
          فصلٌ: والحديث الثَّاني مِنْ أعظم مناقب عليٍّ ☺، وقوله: (قَالَ أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ...) إلى آخره، أسندَه البَيْهَقيُّ في «دلائله» مِنْ حديث يونس بن حَبِيبٍ، حدَّثَنا أبو داود الطَّيالسيُّ حدَّثَنا شعبة، فذكرَه.
          فصلٌ: والعَضُّ بالأسنان، وأصلُه عَضِضَ على وزن عَلِمَ، وقيل: على وزن ضَرَبَ، والأوَّل أصحُّ لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27]، والثَنِيَّة مُقدَّمُ الأسنان، وهي أربعةٌ: ثِنْتانِ من الأعلى وثِنْتانِ مِنَ الأسفل، و(يَقْضَمُهَا) يمضغها، وهو بفتح الضاد، يقال: قَضَمَتِ الدَّابَّةُ شعيرَها تَقضِمُه، أي أكلَتْه.