التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب غزوة الخندق

          ░29▒ (بَابُ: غَزْوَةِ الخَنْدَقِ وَهِيَ الأَحْزَابُ
          قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ).
          اعلم أنَّهُ قد أسلفنا أنَّ بعد أُحُدٍ حمراءُ الأسد، ثُمَّ سريَّة أبي سَلَمة، ثُمَّ سريَّة عبد اللهِ بن أُنَيسٍ، وبعث الرَّجيع، وقصَّة بئر مَعُونة، ثُمَّ غزوة بني النَّضيْر، ثُمَّ غزوة ذات الرِّقاع، ثُمَّ غزوة بدرٍ الآخرة، ثُمَّ غزوة دُوْمة الجَنْدل، ثُمَّ الخندق، وكانت في شوَّالٍ سنةَ خمسٍ كما قاله ابن إسحاق، وقال ابن سعدٍ: في ذي القَعدة يومَ الاثنين لثماني ليالٍ مضين منها، وقال الحاكم: أكثرُ التَّواريخ عليه، وقال موسى بن عقبة: في شوَّالٍ سنَّةَ أربعٍ كما سلف، وذكر ابنُ إسحاقَ غزوةَ بني النَّضيْر في موضعٍ سنةَ أربعٍ، وبعدَها غزوة ذات الرِّقَاع في سنة أربعٍ في جمادى الأولى، وبعدها بدرٌ الموعد في شعبان سنة أربعٍ وبعدها دُوْمَة الجندل في ربيعٍ الأوَّل سنة خمسٍ، وبعدها غزوة الخندق سنة خمسٍ كما ذكرنا، وبعدها غزوة بني لِحْيان وبعدها غزوة ذي قَرَدٍ، وبعدها غزوة بني المصطلق بالمُرَيْسِيع في شعبان سنة ستٍّ.
          ولمَّا ذكر ابنُ سعدٍ أنَّها كانت في ذي القَعدة سنةَ خمسٍ، قال: قالوا: لمَّا أَجلى رَسُولُ الله صلعم بني النَّضيْر سَاروا إلى خيبر، فخرج نفرٌ مِنْ أشرافهم إلى مكَّة _شرَّفها الله_ فألَّبوا قريشًا ودعوهم إلى الخروج على رَسُول الله صلعم، وعاهدوهم على قتاله، ثُمَّ أتوا غَطَفان وسُليمًا ففارقوهم على مثل ذلك، فتجمَّعت قريشٌ بمَنْ تبعهم، فكانوا أربعة آلافٍ، يقودُهم أبو سفيان، ووافَتْهم بنو سُليمٍ بمرِّ الظَّهران في سبع مئةٍ يقودهم سفيان بن عبد شمسٍ، ومعهم بنو أسدٍ يقودهم طلحة بن خُوَيلدٍ، وخرجتْ فَزَارة، يقودها عُيَينة على ألف بعيرٍ، وخرجتْ أَشْجع في أربع مئةٍ يقودها مسعود بن رُخَيلة، وخرجتْ بنو مُرَّة في أربع مئةٍ يقودها الحارث بن عوفٍ، وقيل: إنَّ الحارث رجع ببني مُرَّة، فلم يشهد الخندق منهم أحدٌ، والأوَّل أثبت، فكان جميع الَّذين وافَوا الخندقَ عشرةُ آلافٍ، وكانوا ثلاثة عساكر، وعِناج الأمر إلى أبي سفيان، فأشار سلمانُ الفارسيُّ على رَسُولِ الله صلعم بحفر الخندق، وكانوا يومئذٍ ثلاثة آلافٍ، وقال قتادة فيما ذكره البَيْهَقيُّ: كان المشركون أربعة آلافٍ _أو ما شاء الله مِنْ ذلك_ والصَّحابة فيما بلغنا ألفٌ.
          وانصرَف منه يومَ الأربعاء لسبعِ ليالٍ بقين مِنْ ذي الحجَّة، وحاصرهم المشركون خمسةَ عشرَ ليلةً، وقال عروة فيما ذكرَه صاحبُ «شرف المصطفى»: اجتمعتْ غَطَفان على أنَّ لهم نصفُ تمر خيبر كلَّ عامٍ، وكانت بعدَ أُحُدٍ بسنتين، وأقام المشركون على الخندق تسعًا وعشرين ليلةً، وللواقديِّ أربعةً وعشرين يومًا، وللفَسَويِّ: بضع عشرة ليلةً، وعند موسى: قريبًا مِنْ عشرين ليلةً، ولم يكن فيه قتالٌ إلَّا ساعة، كان بينهم مراماةٌ بالنَّبل، فأُصِيب أكحل سعدٍ _كما سيأتي_ فوصفَ اللهُ ذلك بأكثر أحواله، فقال: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب:25].