التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد}

          ░20▒ (بَابُ: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ...}) الآية [آل عمران:153].
          (تُصْعِدُونَ تَذْهَبُونَ، أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ البَيْتِ).
          4067- ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ☻ قَالَ: (جَعَلَ رَسُولِ الله صلعم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ).
          الشَّرح: ذكر المفسِّرون أنَّ معنى (أَصْعَدَ): ابتدأ السَّيرَ، ومعنى {تَصْعَدُون} بالفتح: الرُّقيُّ، مِنْ صَعِدَ الجبلَ إذ رَقِيَهُ، ومعنى {تَلْوُونَ}: تعرجون، و{أُخْرَاكُمْ} قال أبو عُبيدٍ: آخرَكم. /
          وقوله: ({فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}) قال مجاهدٌ: الغمُّ الأوَّل: القتلُ والجِراح، والثَّاني: أنَّهُ صاح صائحٌ: قُتِل مُحمَّدٌ فأنساهم الغمَّ الآخرَ الأوَّل، فالمعنى إذنْ: فأثابكم غمًّا بعد غمٍّ، وقيل: إنَّهم غمُّوا رَسُول الله صلعم بمخالفتهم إيَّاه، فأثابَهم بذلك الغمِّ غمَّهم به، ومعنى أثابهم: أنزلَ بهم ما يقوم مقامَ الثَّواب، كقوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] أي الَّذي يقومُ مقامَ البشارة عذابٌ أليمٌ.
          ومعنى ({لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}) أنَّهم طلبوا الغنيمة، وذكرَ في الباب بعدَه قوله: {أَمَنةً نُعَاسًا} الآية، وأَمَنَةٌ وأَمْنٌ واحدٌ اسم المصدر، يقال: وقعت الأَمَنة في الأرض، وكذا قال ابن قُتَيبَة: هي الأمن، وغيره فرَّق فقال: الأَمَنَةُ تكون مع بقاء أسباب الخوف، والأَمْنُ زوال أسباب الخوف، ومعنى الآية: أعقبكم بما نالكم مِنَ الرَّعب أمنًا تنامون معه لأنَّ الشَّديد الخوف لا يكاد ينامُ، وقُرئ: {أَمْنَةً} كأنَّها المرَّة مِنَ الأمن، وفي امتنانه بالنُّعاس لأَمْنِهم بعد خوفِهم حتَّى ناموا فاستراحوا وقَدِروا بعدَ النُّعاس على القتال، قال ابن مسعودٍ: النُّعاس في القتالِ أَمَنةٌ، وهو في الصَّلاة مِنَ الشَّيطان.
          وقوله: {نُعَاسًا} هو بدلٌ مِنْ {أَمَنَةً} أو مفعولٌ مِنْ أجله، ومعنى: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} يعني المؤمنين {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} يعني المنافقين: {يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ} أي يظنُّونَ أنَّ أمرَ النَّبِيِّ صلعم اضْمَحَلَّ، {ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ} أي هم في ظنِّهم بمنزلة الجاهليَّة.
          وقوله: ({لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ}) أي لصاروا إلى برازٍ مِنَ الأرض.
          وحديث البراء يأتي في التَّفسير [خ¦4561] بزيادة، ورواه هنا وهناك عن عَمْرو بن خَالِدِ بنِ فَرُّوْخ بن سعيد بن عبد الرَّحمن بن واقد بن ليث بن واقد بن عبد الله، أبو الحسن التَّميميُّ الحنظليُّ الجَزَريُّ الحرَّانيُّ نزيلُ مصرَ، ثبتٌ ثقةٌ مِنْ أفراد البُخَاريِّ، مات سنة تسع وعشرين ومئتين.