التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما لقي النبي من الجراح يوم أحد

          ░24▒ (بَابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلعم مِنَ الجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ)
          4073- ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ، يُشيرُ إلى رَبَاعِيَتِهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ).
          4074- وحديثَ ابن عبَّاسٍ ☻ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صلعم فِي سَبِيِلِ اللهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللهِ صلعم).
          الشَّرح: يريد بقوله: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ) أنَّ ذلك مِنْ أعظم السَّيِّئات عندَه ويجازي عليه، ليس الغضب الَّذي هو عَرَضٌ لأنَّ القديم لا تُحيلُه الأعراض لأنَّها حوادث، ويستحيل وجودُها فيه، والرَّبَاعية بتخفيف الياء، وقد سلف في أثناء غزاة أُحُدٍ ما وقع له مِنِ ابنِ عُتبة وابنِ قَمِئة وابنِ شهابٍ أيضًا فراجعه، ومصَّ مالك بن سِنان الخُدْريُّ الدَّمَ عن وجهه، ثُمَّ ازدرده، فقال صلعم: ((مَنْ مَسَّ دَمُهُ دَمِي لَمْ تُصِبهُ النَّارُ))، ويقال: ما بلغ أحدٌ الحُلْم مِنْ ولد عُتبة إلَّا أبخر أو أهتم لكسره رَبَاعية النَّبِيِّ صلعم، وقد فعلَ مثلُ ذلك ابن الزُّبَير وهو غُلَامٌ حَزْوَرٌ، وفيه أنَّ دمه يخالفُ دمَ غيره في التَّحريم، وكذلك بوله وقد شربَتْهُ أمُّ أيمن وذَلِكَ لغسل المَلَكين جوفَهُ بالثَّلج في طَسْتٍ، فصار بذلك مِنَ المطهَّرين كأمَّته لتطهُّره مِنَ الأحداث، وحديث سالمٍ: ((أَمَا عَلِمْتَ أنَّ الدَّم كلَّه حرامٌ؟)) لا يُعرف له إسنادٌ وإنْ ذكره ابن عبد البرِّ / في «استيعابه»، وروى الزُّبَير بن أبي بكرٍ أنَّهُ لمَّا وُلِد ابن الزُّبَير نظرَ إليه رَسُول الله صلعم فقال: ((هو هو)) فلمَّا سمعت بذلك أسماء أمُّه أمسكت عن رضاعه، فقال لها صلعم: ((أَرْضِعيهِ ولو بماءِ عَيْنيكِ، كَبْشٌ بين ذئابٍ، وذئابٌ عليها ثِيَابٌ، ليمنَعنَّ البيتَ، أو ليُقتَلَنَّ دُونَهُ)).
          وقوله: (دَمَّوْا وَجْهَ نبيِّ اللهِ صلعم) هو بتشديد الميم أصلُه دَمَّيُوا، مثل صلَّوا أصلُه صَلَّيُوا، واستُثقِلت ضمَّة الياء، فحُذِفت، فبقيت الياء ساكنةً والواو ساكنةٌ حُذِفت الياء، ولا يقال: دموا _مخففَّةً_ لأنَّهُ غير مُتعدٍّ، يقال: دَمِيَ وجهُه، وقوله:
هَلْ أَنتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيَتِ
          وفيه أنَّ الأنبياء يُصَابون ببعض المكروه ليعظُمَ لهم الأجر.
          فائدةٌ: شيخ البُخَاريِّ في حديث ابن عبَّاسٍ: (مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ) أبو جعفرٍ الجَمَّال الرَّازيُّ، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين بنَيْسَابور، وقال الحاكم: روى عنه أيضًا في «الصَّحيح» مسلمٌ، وهو غريبٌ، ولم يذكره أحدٌ في رجاله.