التوضيح لشرح الجامع البخاري

سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي

          ░59▒ (بَابُ سَرِيَّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجِيِّ
          وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ).
          4340- ذكر فيه حديثَ عَلِيٍّ ☺: (بَعَثَ النَّبِيُّ صلعم سَرَيَّةً، واسْتَعْمَلَ عَليها رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ رَسُولُ الله صلعم أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاَجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، فَقَالَ: / ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلعم، فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوَهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ).
          هذِهِ القصَّةُ كذا ساقَها البُخَاريُّ، وأمَّا ابنُ سعدٍ فذكر أنَّهُ بلغَ رَسُولَ الله صلعم أنَّ ناسًا مِنَ الحَبَش تراءاهم أهلُ جدَّة، فبعث إليهم عَلْقَمَةَ بْن مُجَزِّزٍ في شهر ربيعٍ الآخر سنة تسعٍ في ثلاث مئةٍ، فانتهى إلى جزيرةٍ في البحر، فلمَّا خاض البحرَ إليهم هَرَبوا منه، فلمَّا رجع تعجَّل بعضُ القوم إلى أهلهم فأَذِن لهم، فتعجَّل عبدُ الله بن حُذَافة فأمَّرَه على مَنْ تعجَّل، وكانت فيه دُعابةٌ، فنزلوا ببعض الطَّريق، وأوقدوا نارًا يَصْطَلُون عليها، فقال: عَزَمْتُ عَلِيكم إلَّا تَوَاثبتم في هذِهِ النَّار، فقام بعض القوم فتَحَجَّزوا حتَّى ظَنَّ أنَّهم واثبونَ فيها، فقال: اجلسوا، إنَّما كنتُ أَضْحكُ معكم، فذُكِر ذلك لرسول الله صلعم فقال: ((مَنْ أمركُمْ بِمَعصيةٍ فلا تُطِيعُوهُ)).
          وذكرها الحاكم في صَفَرٍ، وزعم ابنُ إسحاق أنَّ وَقَّاص بْن مُجَزِّزٍ كان قُتِل يوم ذي قَرَدٍ، فأراد أخوه الأخذَ بثأره فاستأذن رَسُولَ الله صلعم في هذِه السَّريَّة.
          وكانت سريَّة عليٍّ إلى الفُلسِ صنمٍ لطَيِّئٍ ليهدمَه في التَّاريخ المذكور، في خمسين ومئة رجلٍ مِنَ الأنصار على مئة بعيرٍ وخمسين فرسًا راية سوداء ولواء أبيض فهدمَه وحرَّقه وملؤوا أيديهم مِنَ السَّبي والنَّعَم والشَّاء، وفي السَّبي أختُ عَدَيِّ بن حاتمٍ، وهرب عديٌّ إلى الشَّام، ووُجد في خزانة الفُلسِ ثلاثة أسيافٍ: رَسُوب ومِخْذَم واليَمَاني، وثلاثة أدراعٍ، واستعملَ على السَّبي أبا قَتادة، وعلى الماشية والرَّثَّة عبدَ الله بن عَتِيكٍ، فترُكت الأسياف صفيًّا لرسول الله صلعم، وعُزل الخُمُس، وعُزل آل حاتمٍ فلم يقسمهم حتَّى قَدِم بهم المدينة.
          وقوله: (فَهَمُّوا...) إلى آخره، وفي روايةٍ أخرى: هَمَّ بَعْضُهُم أنْ يَدْخُلَ، وبَعْضُهُم قَالَ: إنَّما فَرَرْنَا مِنَ النَّارِ، وفيه أنَّ التَّأويلَ الفاسدَ لا يُعذَرُ به صاحبه؛ لأنهَّم علموا قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وقولَه: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12] قاله الدَّاوُديُّ.
          ومعنى: (خَمَدَتِ) طفئ لهبها، وهو بفتح الميم، وقوله: (لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) أي ذلك جزاؤهم لو فعلوا.