التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب وصية النبي

          (بَابُ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صلعم)
          4459- ذكر فيه حديثَ الأسود قَالَ: (ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ ♦: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم وَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَانْخَنَثَ وَمَاتَ، وَمَا شَعَرْتُ، فَكَيْفَ أَوْصَى إلى عَلِيٍّ).
          معنى الحديث: (انْخَنَثَ) مال إلى أحد شِقَّيه، ومنه حديث النَّهيِّ عن اختناثِ الأسقية، وهو أن تُثنَّى أفواهها ليُشْرَبَ منها، وسُمِّي المُخنَّثُ لانخِناثِه وتَثنِّيه في مشيه وحركاته، وقيل: انخنثَ استرخَى.
          4460- وذكر بعدَه حديثَ طلحة: (سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ☻: أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلعم؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاس الوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ) وسلف معناه [خ¦2740].
          4461- وحديث عمرِو بنِ الحَارثِ ☺: (مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلعم دِينَارًا ولَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، إلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ...) الحديث، وقد سلف [خ¦2739].
          4462- وحديث حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ☺: (لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهَ صلعم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَاَهْ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ إلى جِبْرِيلَ نَنَعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ الله صلعم التُّرَابَ؟).
          قال الخطَّابيُّ: تكلَّم فيه غيرُ واحدٍ مِنْ أهل العلم، ويدخل فيه أيضًا مَنْ لا يُعدُّ مِنْ أهل العلم، وهو إسحاق بن إبراهيم الموصليُّ فيما يعتبرُ به أصحاب الحديث في كتابٍ له، وزَعَم أنَّهم لا يعرفون معنى قوله: (ليسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليومِ)، ثُمَّ قال: إنَّما كان كَرْبُه شفقةً على أمَّته لِمَا عَلِم مِنْ وقوع الاختلاف والفتن بعدَه، قال: / وهذا ليس بشيءٍ، ولو كان كما قال لوجب انقطاعُ شفقته عن الأُمَّةِ بعد موته، وشفقتُه دائمةٌ على الأُمَّة أيَّامَ حياتِه وباقيةٌ بعدَ وفاتِه لأنَّهُ مبعوثٌ إلى الغابرين قرنًا بعد قرنٍ إلى قيام السَّاعة، وإنَّما هو ما كان يجدُه مِنْ كربِ الموت وغيرِه، وكان بَشَرًا يناله الوَصَب، فيجدُ له مِنَ الألم مثلَ ما يجد النَّاسُ أو أكثرَ، وإنْ كان صبرُه عليه واحتمالُه له أحسنُ، وقد رُوي عن عبد الله بن مسعودٍ قال: دخلتُ على رَسُولِ الله صلعم وهو مَحْمُومٌ، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّكَ تُوعَّك وَعكًا شديدًا، قالَ: ((أَجَلْ، إنَّا معاشرَ الأنبياءِ يُضَاعفُ عَلَينا البَلَاءُ كما يُضَاعفُ لنا الأَجْر)) فالمعنى: لا يصيبُ بعد اليوم نَصَبٌ ولا وَصَبٌ يجد له كَرْبًا إذا مضى إلى دار الكرامة.
          فائدةٌ: زاد أبو داود عن حمَّادٍ: يا أبتاهُ مِنْ ربِّهِ ما أدناهُ! وروى المبارك بن فُضَالة عن ثابتٍ، ولفظه: قالت فاطمة: واكرباهْ، فقال: ((إنَّهُ ليسَ على أبيكِ كَربٌ بعدَ اليومِ))، وأخرجَ ابنُ ماجهْ بعضَه في الجنائز.