التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب غزوة الحديبية

          ░35▒ (بَابُ: غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ وَقَوْل اللهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]).
          بايعوا على ألَّا يفرُّوا، وسيأتي أنَّهم بايعوه على الموت، وكانت الشَّجرة سَمُرَةً، {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} مِنَ الإخلاص، {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} أي الصَّبر والوقار كما قاله قتادة، {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18] أي خيبر، كما قاله قَتادة أيضًا، وقد أسلفنا في الحجِّ أنَّ الحُديبيَة مخفَّفة الياء، وأنكر أهل اللُّغة تثقيلها، وجعله صاحب التَّنقير بحثًا، ونقله الخطَّابُّي عن أهل الحديث فيه، وفي الجِعرَّانة أنَّ أهل العربيَّة يخفِّفونهما، وقال البَكْريُّ: أهل العراق يثقِّلون بخلاف أهل الحجاز.
          وهل هي في الحِلِّ أو الحَرَم، أو بعضها في الحِلِّ وبعضها في الحَرَم؟ فيه خلافٌ سبق أيضًا، وتظهر فائدة الخلاف أنَّ هَدْي الإحصار لا يكون إلَّا في الحَرَم عند مالكٍ، خلافًا للشَّافعيِّ، فإنَّه قال: حيث أُحصر.
          وهي قريةٌ ليست بالكبيرة سُمِّيت ببئرٍ هناك عند مسجد الشَّجرة، بينها وبين المدينة تسع مراحلَ، ومرحلةٌ إلى مكَّة، وكانت مغازيه صلعم في الحلِّ ومصلَّاه في الحرم، وكانت في هلال ذي القَعدة يوم الاثنين سنة ستٍّ، ركب النَّبِيُّ صلعم ناقتَه القَصْواء بعد اغتساله، قال البَيْهَقيُّ: وهذا هو الصَّحيح أنَّها سنة ستٍّ، وإليه ذهب الزُّهْريُّ وقتادة وابنُ عُقبة وابنُ إسحاق وغيرهم، واختلف فيه عن عروة، فقيل: مثل الجماعة، وقيل في رمضان، فرُوي عنه: خرج رَسُول الله صلعم في رمضان، وكانت العُمْرة في شوَّالٍ.
          قال ابن سعدٍ: ولم يخرج معه بسلاحٍ إلاَّ السُّيوف في القُرُب، وساق سبعين بَدَنَةً فيها جمل أبي جهلٍ الذي غنمه يومَ بدر، ومعه مِنَ المسلمين ألفٌ وستُّ مئةٍ، ويقال: ألفٌ وأربع مئةٍ، ويقال: ألفٌ وخمس مئةٍ وخمسةٌ وعشرون رجلًا ومعه أمُّ سَلَمة، قال الحاكم: والقلبُ أَميَلُ إلى رواية مَنْ روى: ألفٌ وخمس مئةٍ، لاشتهاره ولمتابعة المسيِّب بن حَزْنٍ له فيه، فلعلَّ الأخذَ به أَولى لاشتهاره وروايته عن جماعةٍ، قال: ورواية موسى بن عقبة: كانوا ألفًا وستَّ مئةٍ لم يتابع عليها، قلت: قاله أبو مَعْشرٍ وأبو سعيدٍ النَّيْسابوريُّ، قال: وروي عن عبد الله بن أبي أَوْفى: كانوا ألفًا وثلاثَ مئةٍ، وستأتي هذِهِ في البُخَاريِّ مع رواية البراء أنَّهم كانوا ألفًا وأربع مئةٍ، ومع إحدى روايتي جابرٍ، كذلك وتابعهما سَلَمة بن الأكوع ومَعقِل بن يسارٍ، وصحَّحه البَيْهَقيُّ، وسعيد بن المسيِّب زعم أنَّ جابرًا حدَّثه بالخمس مئةٍ، ثُمَّ نسيه جابرٌ، وجمع ابن دِحْية بين اختلاف الرِّوايات أنَّ ذلك مِنْ باب الحَزْرِ والتَّخمين لا التَّحديد، ويجوز أن يكون بعضُهم ضمَّ إليهم النِّساء وبعضهم حذف.
          وقد قالوا: إنَّ ابن أبي أوفى هو الَّذي حقَّق عدَّتهم بقوله: (وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ المُهَاجِرِينَ) وثلاث عشرة مئةً مِنَ المستحبَّات أن يكون في لقاء العدوِّ، وكذا قولُه: {والْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات:1] ثلاثةَ عشرَ حرفًا، {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} [العاديات:2] مثلُه، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات:3] مثله، فمراعاة هذا العدد دائمًا في السَّرايا مِنْ حيث التَّفاؤل مطلوبٌ، لأنَّهُ جزءهم لا يقبل التَّكسير، وقد كانت الصَّحابة يوم بدرٍ ثلاث مئةٍ وثلاثة عشرَ رجلًا.
          فصلٌ: ذكر ابن سعدٍ بعد الإفك غزوةَ ذي قَرَدٍ، ثُمَّ سريَّة عُكَاشَة بْنِ مِحْصَنٍ الأسديِّ إلى الغَمْرِ _غمر مرزوقٍ_ وهو ماءٌ لبني أسدٍ، فكانت في ربيعٍ الأوَّل سنة ستٍّ، ثُمَّ سريَّة مُحمَّد بن مَسْلَمة إلى ذي القَصَّة _بفتح القاف والصَّاد المهملة_ في ربيعٍ الآخر منها، ثُمَّ سريَّة أبي عُبيدة بن الجرَّاح إلى ذي القَصَّة في الشَّهر المذكور، ثُمَّ سريَّة زيد بن حارثة إلى بني سُلَيمٍ بالجَموم _بفتح الجيم_ ناحية بطن نخلٍ عن يسارها فيه أيضًا، ثُمَّ سريَّة زيدٍ أيضًا إلى العِيص، بينها وبين المدينة أربع ليالٍ في جمادى الأولى منها، ثُمَّ سريَّة زيدٍ أيضًا إلى الطرفِ ماءٍ قريبٍ مِنَ المَراض دون النَّخيل على ستَّةٍ وثلاثين ميلًا مِنَ المدينة، ثُمَّ سريَّته أيضًا إلى حِسْمَى، وهي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة، ثُمَّ سريَّته أيضًا إلى وادي القرى في رجبٍ منها، ثُمَّ سريَّة عبد الرَّحمن بن عوفٍ إلى دُوْمة الجندل في شعبان منها.
          وذكر ابنُ إسحاق سريَّةً لزيدٍ إلى مَدْيَن، وذكر ابنُ سعدٍ بعدَ سريَّةِ عبدِ الرَّحمن سريَّةَ عليِّ بن أبي طالبٍ إلى بني سعد بن بكرٍ منها، ثُمَّ قال: وسريَّة زيدِ بن حارثةَ إلى أمِّ قِرْفة بوادي القرى في رمضان منها، ثُمَّ سريَّة عبد الله بن رواحة إلى أسير بن رِزَامٍ اليهوديِّ، ثُمَّ سريَّة سَلَمة بن عمرٍو الضَّمْريِّ، وسَلَمة بن حَرِيشٍ، وعند ابن إسحاق: بدل سَلَمة بن حَرِيش جبَّار بن صَخْرٍ إلى أبي سفيان بن حربٍ بمكَّة، ثُمَّ ذكر غزوة الحُدَيبيَة.