التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب غزاة أوطاس

          ░55▒ (بَابُ: غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ)
          4323- ذكر فيه حديثَ أبي موسى ☺ قَالَ: (لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إَلَى أَبِي مُوسَى، قَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ...) إلى أنْ قال: (فَقَتَلْتُهُ) ثُمَّ مَاتَ أَبُو عَامِرٍ واسْتَخْلَفَه، وفيه: (اللهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ) واستغفرَ له أيضًا.
          قال ابنُ هشامٍ: رماهُ أَخَوانِ مِنْ بني جُشَم بنِ معاوية فأصابَ أحدُهما قلبَه والآخرُ رُكبتَه، وعند ابن عبد البرِّ: هما العَلَاء وأَوْفى ابنا الحارث.
          وقوله: (فَاتَّبَعْتُهُ) ضُبِط بقطع الألف، وصوابُه بوصلها وتشديد التَّاء لأنَّ معناه: سِرت في أثره، ومعنى أَتْبَعْتُ بقطع الألف: لحقتُهُ، والمراد هنا: سِرتُ في أثره.
          وقوله: (عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ) أي منسوجٍ بحبلٍ ونحوه.
          وقوله: (وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ) قال أبو الحسن: الَّذي أحفظ في هذا: (مَا عَلَيْهِ فِرَاشٌ) وأُراها سقطت، ودُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ هذا له رأيٌ ومعرفة بالحرب، وكان شُجاعًا مجرِّبًا كما بيَّنه ابن إسحاق في «سِيرته». و(أَوْطَاسٍ) اسم موضعٍ كما صرَّح به الجَوْهريُّ، وقيل: ماءٌ لبني سُليمٍ، حكاه أبو موسى في «المغيث» وبه كانت الوقعة، مِنْ وَطَسْتُ الشَّيءَ وَطْسًا إذا كدَّرْتُه وأثَّرت فيه، والوَطِيس: نُقْرَةٌ في حَجَرٍ يُوْقَد حوله النَّار فيُطْبَخ به اللَّحْم، والوطيس: التَّنُّور، فلمَّا انهزمَ الكفَّارُ يومَ حُنَينٍ وأمرَ صلعم بطلبهم انتهى بعضُهم إلى الطَّائف وبعضُهم نحو نخلة، وتوجَّه قومٌ منهم إلى أَوْطَاسٍ، فعقد النَّبِيُّ صلعم لأبي عامرٍ لواءً ووجَّهَه في طلبِهم فانتهى إلى عسكرهم، فإذا هم ممتنعون فقَتَل منهم أبو عامرٍ تسعةً مبارزةً، ثُمَّ برزَ له العاشر مُعْلَمًا بعمامةٍ صفراء فضرب أبا عامرٍ فقتلَه، واستخلف أبا موسى فقاتلهم حتَّى فتح الله عليه، وقُتِل قاتلُ أبي عامرٍ.
          فائدةٌ: في الجزء الثَّاني مِنَ السَّادس لابن السَّمَّاك مِنْ حديث مقاتل بن حيَّان عن زيد بن أسلم عن ابن عمر ☻، قال: غَزَوْنَا مع رَسُولِ الله صلعم غزوةَ أوطاسٍ في بردٍ شديدٍ، وكان شبابُ المسلمين يَحْتَلِمُون فيغتسلونَ بالماء البارد فيتأذَّونَ، حتَّى شَكَوا ذلك إلى رَسُولِ الله صلعم، فقال صلعم: ((إذا أَخَذَ أحدكُمْ مَضْجَعَهُ فَلْيَذْكرِ الله، يُسَبِّح حتَّى يُحِسَّ بالنُّعاس، فإذا أَحَسَّ بالنعاسِ فَلْيَقُل ثلاثَ مرَّاتٍ: أعوذُ باللهِ مِنَ الأَحْلَام والاحتلام، وأنْ يلْعبَ بي الشَّيْطَانُ في اليَقَظَةِ والمَنَامِ)) قال ابنُ عمر: وأنا يومئذٍ في شباب المسلمين، لقد تأذَّيت بالاحتلام والاغتسال وبَرْد الماء، فقلنا هذا الكلام فاسترحنا.
          فائدةٌ: أسلم في غزوة حُنينٍ شَيْبة بن عثمان، وكان أَضْمَرَ لرسول الله صلعم سُوءًا، فَرُفِعَ له شُواظٌ مِنْ نارٍ كالبَرْقِ فذبَّ عنهُ، فأسْلَمَ كما أسنده ابن سعدٍ.
          فائدةٌ: قُتِل مع أبي عامرٍ أيضًا أيمن بن عُبيدٍ، وهو ابن أمِّ أيمن، وسُراقة بن الحارث وغيرهما.