التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة

          ░28▒ (بَابُ: غَزْوَةِ الرَّجِيعِ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ، وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حدَّثَنا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ).
          الشَّرح: الوجه كما قال الدِّمْياطيُّ تقديمُ عَضَلٍ وما بعدها مع الرَّجيع، وتأخير رِعْلٍ وذَكْوان مع بئر معونة، وكانت غزوة الرَّجيع، وهو ماءٌ لهذيلٍ كما سلف بالاختلاف فيها، وقد ساقها البُخَاريُّ في بدرٍ أيضًا وأوضحناها هناك.
          و(بِئْرِ مَعُونَةَ) ماءٌ لبني سُلَيمٍ كما سلف قريبًا، وكانت في صَفَرٍ أيضًا كما سلف، وأميرها المُنْذِر كما سلف أيضًا، قال ابن سعدٍ: وكانت سريَّة المُنْذِر هذا في صفرٍ على رأس ستَّةٍ وثلاثين شهرًا مِنْ مُهاجَرِهِ، قالوا: قَدِم عامر بن مالك بن جعفرٍ أبو براءٍ مُلَاعِبُ الأَسِنَّة الكِلابيُّ على رَسُول الله صلعم، وأهدى له فلم يَقْبَل منه، وعرض عليه الإسلامَ فلم يُسلِم ولم يبعد، وقال: لو بعثتَ معي نَفَرًا مِنْ أصحابكَ إلى قومِي لرجوتُ أن يُجيبوا دعوتَك، فقال: ((إنِّي أخافُ عَلِيهم أَهَلَ نَجْدٍ)) قال: أنا لهم جَارٌ، فبعث معه سبعين مِنَ الأنصار، شَبَبةً يُسمَّون القرَّاء، وأمَّر عليهم المُنْذِر، فلمَّا نزلوا بئرَ معونة قدَّموا حَرَام بن مِلْحان بكتاب رَسُول الله صلعم إلى عامر بن الطُّفيل، فقَتَلَ حَرَامًا واستصرخ عليهم بني عامرٍ فأبَوا، وقالوا: لا نَخْفِرُ أبا براءٍ، فاستصرخَ عليهم قبائل مِنْ سُليمٍ: عُصيَّة ورِعْلٍ وذكوان وزغب والقَارَة ولِحْيان، فنَفَروا معه، فقُتِل الصَّحابة كلُّهم إلَّا عمرَو بن أميَّةَ، فأخبره جبريلُ بخبرِهم وخبرِ مُصَاب خُبيبٍ ومَرْثَدٍ تلك اللَّيلة، وعند ابن إسحاق: كان بعثُهم في صفرٍ على رأس أربعة أشهرٍ مِنْ أُحدٍ، وكانوا أربعين رجلًا، قُتِلوا عن آخرهم إلَّا كعب بن زيدٍ أخا بني دِينار بن النَّجَّار، فإنَّهم تركوه وبه رَمَق، فارتثَّ مِنْ بين القتلى.
          وفي «مغازي الواقديِّ»: الثَّبْتُ أنَّهم كانوا أربعين وأنَّ عمرَو بن أميَّة لم يكن معهم، ولم يكن معهم إلَّا أنصاريٌّ، وعند موسى بن عقبةَ يقال: كان أميرُهم مَرْثَدُ بن أبي مَرْثَدٍ كنَّازِ بن الحُصَين الغَنَويِّ.
          وروى مسلمٌ مِنْ حديث ثابتٍ عن أنسٍ: أنَّ ناسًا جاؤوا إلى رسول الله صلعم، فقالوا: ابعثْ معنا رجالًا يُقْرِئونا القرآنَ والسُّنَّةَ، فبعثَ إليهم سبعينَ رجلًا مِنَ الأنصار، وفي «الجميع بين الصَّحيحين» لأبي نُعَيْمٍ الحدَّاد: لمَّا دعا رَسُول الله صلعم على عامرٍ وأُصِيبَ بالطَّاعون، بعثَ سبعينَ إلى قومه في رسالةٍ، فدَعَا على قتلتِهم أربعينَ صباحًا، وروى ابنُ طاهرٍ في «صفوتِه» مِنْ حديث أبي حُميدٍ عن أنسٍ: لمَّا أُصِيبَ أهلُ بئرِ مَعُونة دعا ◙ على قتلتِهم خمسةَ عشرَ يومًا.
          وفي رواية للبَيْهَقيِّ عن أنسٍ: لمَّا أُصِيب خُبيبٌ بعثَ رَسُول الله صلعم القُرَّاءَ، وللعَسْكَريِّ: بعثَ رسولُ الله صلعم المُنْذِرَ بنَ عمرٍو أميرًا على أربعين مِنَ الأنصار ليس فيهم غيرُهم إلَّا عمرو بن أميَّة، وذَلِكَ أنَّ أبا براءٍ بعثَ ابنَ أخيه إلى رَسُول الله صلعم في علَّةٍ وجدَها، فدعا له بالشِّفاء وبارك فيما أنفذَه إليه فبَرِئَ، فبعث إلى رَسُول الله صلعم: أنِ ابعثْ إلى أهلِ نجدٍ مَنْ شئت، فإنِّي جارٌ لهم. وفي «مغازي أبي مَعْشرٍ»: كان أبو بَرَاءٍ كتب إلى رَسُول الله صلعم: ابعثْ إليَّ رجالًا يُعلِّمونا القرآن، وهُمْ في ذِمَّتي وجِواري، فبعث إليهم المُنْذِرَ بنَ عمرٍو في أربعةَ عشرَ رجلًا مِنَ المهاجرين والأنصار، فلمَّا ساروا إليهم بلغَهم أنَّ أبا براءٍ مات، فبعث المُنْذِرُ إلى رَسُولِ الله صلعم يَستمِدُّه، فأمدَّهُ بأربعين نفرًا أميرُهم عمرو بن أُميَّةَ، وقال: إذا اجتمعَ القوم كان عليهم المُنْذِر، فلمَّا وصلوا بئر مَعُونة كتبوا إلى ربيعة بن البراء: نحنُ في ذمَّتك وذمَّةِ أبيك، فنقدَم عليك أم لا؟ قال: أنتم في ذِمَّتي فاقدمُوا، وفي آخره: قَدِم عليه ◙ خبرُ بئرِ مَعُونة وأصحابِ الرَّجيع، وبعث مُحمَّد بن مَسلمة في ليلةٍ واحدةٍ. وفي «شرف المصطفى ╕»: جاءت الحمَّى إلى رَسُولِ الله صلعم، فقال: ((اذْهَبِي إلى رِعْلٍ وذَكْوانَ، وعُصَيَّة عَصَتِ اللهَ ورسولَهُ)) فأتتهم فَقَتَلتْ منهم سبع مئة رجلٍ، بكلِّ رجلٍ مِنَ المسلمين عشرةٌ.
          تنبيهٌ: جزم ابنُ التِّينِ بأنَّ غزوةَ الرَّجيع في آخر سنة ثلاثٍ، وغزوةُ بئر مَعُونة سنة أربعٍ، وبني لِحْيان سنة خمسٍ، خرج إليها رَسُولُ الله صلعم في غُرَّة جمادى الأولى يطلبُ ثأرَ خُبيبٍ وأصحابِه، وبعث مِنْ فورِه إلى القَارَةِ في دورِها، فاعتصموا بالجبال، وقول ابن إسحاق: إنَّها بعد أُحُدٍ، يريد غزوةَ الرَّجيع وهي قصَّة خُبَيبٍ.
          ومعنى: (اقْتَصُّوا آثَارَهُمْ) تتبَّعوها شيئًا بعد شيءٍ، ومنه قوله تعالى: / {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص:11] أي: اتِّبعي أثرَه، ويجوز بالسِّين، ومعنى (اللهُمَّ أَحْصِهمْ عَدَدًا): استأصلهم بالهلاك.