التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قتل حمزة

          ░23▒ (بَابُ: قَتْلِ حَمْزَةَ ☺)
          4072- ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضِلِ، وهو كما نسبه ابنُ إسحاق: ابن عبد الرَّحمن بن عبَّاس بن ربيعة بن الحارث، يعني ابنَ عبد المطَّلب، وأسقط بعضُهم عبدَ الرَّحمن: (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ...) فذكرَه بطوله.
          وهو مِنْ أفراده، بل لم يخرِّج مسلمٌ في «صحيحه» عن وحشيٍّ شيئًا، و(عُبَيْدِ اللهِ) هذا وُلِد في حياة رَسُول الله صلعم، ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك، وله دارٌ بالمدينة عند دار عليِّ بن أبي طالبٍ ☺، يروي عن عثمان بن عفَّان، وله حديثٌ في «الموطَّأ» في كتاب الصَّلاة، وأرسلَ عنه، و(حِمْصَ) غير مصروفٍ بلدٌ معروفٌ دخلتُها، ويجوز صرفُها، وعلَّله ابن التِّينِ بقلَّة حروفها وسكون وسطها مثل عادٍ، وهودٍ ونوحٍ ودعدٍ.
          وقولُه عن وحشيٍّ إنَّهُ (هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ) هو بفتح الحاء، وهو الزِّقُّ كالعُكَّة والجمع: الحُمُت، وهو النِّحْي أيضًا وجمعُه أنحاءٌ، وأكثر ما يُقالُ ذلك في أوعية السَّمْن والزَّيت، وقيل: هو الزِّقُّ مطلقًا، قال أبو عُبيدٍ: وأمَّا الزِّقُّ / الَّذي يُجْعَلُ فيه اللَّبَن فهو الوَطْبُ وجمعه أوطابٌ، وما كان للشَّراب فهو الذَّوارع، واسم الزِّقِّ يَجمعُ ذلك كلَّه.
          وقوله: (وَعُبَيدُ اللهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ) أي لفَّها على رأسه مِنْ غير تحنيكٍ، وكذلك الاعتجار بالثَّوب إنَّما هو التَّلفُّف به.
          وقوله: (ما يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) يعني: أنَّهُ تَخْرَطم، وفيه نباهةُ وحشيٍّ لمعرفته بالقدمين على طول عهد وصغر المحمول.
          وقوله: (إنَّ عَدِيَّ بْنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي العِيصِ) كذا وقع هنا، وإنَّما هي أمُّ قتالٍ بنت أُسَيد بن أبي العِيص بن أُمَيَّة أختُ عتَّابٍ، ووقع في السِّيرة النَّبوِّية أنَّها سعديَّة وهي قرشيَّةٌ.
          وقوله: (إنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ) صوابُه كما قال الدِّمْياطيُّ: طُعَيمَة بن عَديِّ بن نوفل بن عبد منافٍ، والمطعم والِخَيار ابنا عديٍّ أخواه، وعَدِيُّ بن الِخَيار بن عديِّ بن نوفلٍ ابنُ أخيه.
          وقوله: (فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ، فَقَالَ: يَا سِبَاعُ، يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ) يعني أنَّها كانت خافضةً؛ التي تخفض النِّساء أي تَخْتنُ لهن، والبَظْرُ: هَنَةٌ بين الإِسْكَتَين لم تُخْفَضْ، وكذلك البَظَارة، وامرأةٌ بَظْرَاءُ بيِّنةُ البَظْر.
          وقوله قبلَه: (فلمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ) ويسمَّى عامُ أُحُدٍ عام عينين.
          وقوله: (أَتُحَادُّ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي أتعانِدُهما؟ وقيل: تُعاديهما، والمعنى واحدٌ، وأصلُه أن يكونَ هذا في حدٍّ، وهذا في حدٍّ آخر.
          وقوله: (وَكَمَنْتُ لِحَمْزَة) هو بفتح الميم، أي اختفيتُ.
          وقوله: (فَأَضَعُ الحَرْبَة فِي ثُنَّتِهِ) أي في وسطه، قاله ابن فارسٍ، وقال الخطَّابيُّ: هي العَانةُ، وعبارةُ غيرِه: هي ما بين السُّرَّة والعانة، وكذلك المُرَيْطاء.
          وقوله: (فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ الله صلعم رُسُلًا) كان ذلك في سنة ثمانٍ مع رسل أهل الطَّائف، ذكره ابن التِّينِ.
          وقوله: (وَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ) أي لا ينالُهم منه مكروهٌ، وهاجَه يَهيجُه: صرفَه، وهَاجَ الشَّيءُ: تحرَّك.
          وقوله لوحشيٍّ: (فَهَلْ تَسْتِطيعُ أنْ تُغيِّب وَجْهَكَ عَنِّي؟) فيه ما كان عليه مِنَ الرِّفْق، وأنَّ المرءَ يكره أن يرى قاتل وليِّه.
          وقوله: (لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ) أي أقابلَه وأعاوضَهُ وأوازنَه، وهذا إشفاقٌ منه لأنَّ الإسلام يجُبُّ ما كان قبله.
          وقوله: (فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ) الثَّلْمة: الخَلَلُ، والأَوْرَقُ مِنَ الإبل: الَّذي يَضْرِب إلى الخُضْرة، وقيل: الوُرْقَةُ: لونُ الرَّماد، وبه جزم ابن التِّينِ، فقال: اسمَرَّ لونُه كلونِ الرَّمادِ، وقال السُّهيليُّ: يريد _والله أعلم_ وُرْقَةَ الغبار، وأنَّهُ قد ينفع به، إذ الأَوْرَقُ مِنَ الإبل ليس أقواها ولكنَّهُ أطيبُها لحمًا فيما ذكروا، و(ثَائِرُ الرَّأْسِ) قائمٌ شعرُه.
          وقوله: (فَضَرَبَهُ عَلَى هَامَتِهِ) أي رأسه.
          وقوله: (فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ) كان مُسيلمة مع كُفره وكذبه مرَّةً يدَّعي النُّبوَّة، ومرَّة يتسمَّى أميرَ المؤمنين، وأميرُ المؤمنين حقًّا هو عُمَر بن الخطَّاب، أوَّل مَنْ تسمَّى به بعد رَسُول الله صلعم، وفي حياته عبد الله بن جَحْشٍ.
          وقوله: (فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى عَاتِقِهِ) في «السيرة»: الَّتي قتلتُ بها حمزة، فتهيَّأتُ له، وتهيَّأ له رجلٌ مِنَ الأنصار مِنَ النَّاحية الأُخرى، كِلانا يريدُه، فهززتُ حربتي، حتَّى إذا رضيتُ منها دَفَعتُها عليه فوقعتْ فيه، وشدَّ عليه الأنصاريُّ فضربَه بالسَّيف، فوربك أعلمُ أيُّنَا قتلَه، فإنْ كنتُ قتلتهُ فقد قتلتُ خيرَ النَّاس بعد رَسُول الله صلعم، وقد قتلتُ شرَّ النَّاس.
          وهذا الأنصاريُّ لم يسمِّهِ ابنُ إسحاق، وذكر الواقِديُّ في كتاب «الرِّدَّة» أنَّهُ عبد الله بن زيد بن عاصمٍ المازنيُّ مِنَ الأنصار، وذكر سيفُ بن عمرَ في «الفتوح» أنَّهُ عديُّ بن سهلٍ، وذكر فيه شعرًا، وذكر ابنُ عبد البرِّ وغيرُه أنَّ أبا دُجانة شارك في قتْلِ مُسيلمة، فاللهُ أعلمُ أيُّ هؤلاء الثَّلاثة أرادَ وحشيُّ، وفي رواية يونس عن ابن إسحاق زيادةٌ في إسلام وحشيٍّ، قال: لمَّا قَدِم المدينة قال النَّاس: يا رَسُولَ الله هذا وحشيُّ، قال: ((دَعُوهُ، فَلَإِسلامُ رَجُلٍ واحدٍ أَحبُّ إليَّ مِنْ قتلِ ألفِ رَجُلٍ كافرٍ)).
          فائدةٌ: وحشيٌّ مِنَ الأفراد ليس في الصَّحابة مَنْ تسمَّى باسمه غيره، وهو مِنْ سُودان مكَّة.
          أخرى: مُسيلِمة _بكسر اللَّام_ كنيتُه أبو ثُمامة وأبو هارون بن ثُمامة بن كبير بن حبيبٍ، ستأتي ترجمته واضحةً في باب: وفد بني حنيفة [خ¦4373].
          خاتمةٌ: حمزةُ بدريٌّ أُحُدِيٌّ، أَحدُ الثَّلاثة الَّذين كانوا أوَّل مَنْ بارز يوم بدرٍ، وأحدُ السِّتَّة الَّذين هم أوَّل مَنْ يجثو بين يَدَيِ الرَّحمن للخصومة، ونزل فيهم: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج:19]، وأَحَدُ الاثني عشر نقيبًا مِنْ قريشٍ، وهو عمُّ رَسُول الله صلعم، وأخوه مِنَ الرَّضاعة، وأسد الله وأسد رسوله، أسلم في السَّنة الثَّانية مِنَ المبعث، وأوَّل سريَّةٍ بعثَها رسولُ الله صلعم سريَّتُه إلى سِيف البحر، كما قاله المدائنيُّ، وهو سيِّد الشُّهداء، ورُويَ: خيرُهم.