الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟

          ░76▒ (باب: هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ؟)
          هكذا أورد التَّرجمة بصورة الاستفهام ولم يبتَّ الحكم لما فيها مِنَ الاحتمال كما سأبيِّنه إن شاء الله، ثُمَّ قال الحافظ: ذكر المصنِّف حديث عائشة في الصُّوَر، وسيأتي شرحُه وبيان حكم الصُّوَر مستوفًى في كتاب اللِّباس، وموضع التَّرجمة منه قولها: (قام على الباب فلم يدخل) قال ابن بطَّالٍ: فيه ألَّا(1) يجوز الدُّخول في الدَّعوة يكون فيها منكرٌ ممَّا نهى الله عنه ورسولُه لِما في ذلك مِنْ إظهار الرِّضا بها، ونَقل مذاهبَ القدماء في ذلك، وحاصله: إن كان هناك محرَّمٌ وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان ممَّا يكره كراهة تنزيهٍ فلا يخفى الورعُ، وممَّا يؤيِّد ذلك ما وقع في قصَّة ابن عمر مِنِ اختلاف الصَّحابة في دخول البيت الَّذي سُترت جدره، ولو كان حرامًا ما قعد الَّذين قعدوا ولا فعلَه ابنُ عمر، فيحمل فعلُ أبي أيُّوب على كراهة التَّنزيه جمعًا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيُّوب كان يرى التَّحريم والَّذين لم ينكروا كانوا يرون الإباحة، وقد فصَّل العلماء ذلك على ما أشرت إليه، كما تقدَّم في شرح ترجمة الباب، قالوا: إن كان لهوًا ممَّا اختُلف فيه فيجوز الحضور، والأَولى التَّرك، وإن كان حرامًا كشرب الخمر نُظر فإن كان المدعوُّ ممَّن إذا حضر رُفع لأجله فليحضر، وإن لم يكن كذلك ففيه للشَّافعيَّة وجهان:
          أحدهما: يحضر وينكِر بحسب قدرته وإن كان الأَولى ألَّا يحضر، قال البَيْهَقيُّ: هو(2) ظاهر نصِّ الشَّافعيِّ، وقال صاحب «الهداية» مِنَ الحنفيَّة: لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يُقْتَدى به، فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه مِنْ شين الدِّين وفتح باب المعصية، وحُكيَ عن أبي حنيفة أنَّه قعد، وهو محمولٌ على أنَّه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدًى به، قال: وهذا كلُّه بعد الحضور فإن عَلم قبله لم تلزمه الإجابة.
          والوجه الثَّاني للشَّافعيَّة: تحريم الحضور... إلى آخر ما ذكره مِنْ تفصيل مذاهب بقيَّة الأئمَّة، ثُمَّ قال: وأمَّا حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلافٌ قديمٌ، وجزم جمهور الشَّافعيَّة بالكراهة، وصرَّح الشَّيخ أبو نصرٍ القدسيُّ(3)(4) منهم بالتَّحريم، وعند سعيد بن منصورٍ مِنْ حديث سلمان موقوفًا أنَّه أنكر سَتر البيت، وقال: أمحمومٌ بيتكم أو تحوَّلت الكعبة عندكم، قال: لا أدخله حتَّى يهتك. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((أنه لا)).
[2] في (المطبوع): ((وهو)).
[3] في (المطبوع): ((المقدسي)).
[4] هامش من الاصل: كذا في الأصل والصواب أبو الفتح نصر المقدسي