الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}

          ░49▒ (باب: قَول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} إلى آخره [النساء:4])
          قال صاحب «الفيض»: الظَّاهر أنَّه اختار مذهب الشَّافعيِّ في عدم تعيين المهر، وقال أبو حنيفة: لا مَهر أقلُّ مِنْ عشرة دراهم إلَّا أنَّ في إسناده حجَّاج بن أرطاة، وحسَّن التِّرْمِذيُّ حديثه في غير واحدٍ مِنَ المواضع مِنْ كتابه، وإن كان المحدِّثون لا يَعتبرون بتحسينه، أمَّا أنا فأعتمد بتحسينه، وذلك لأنَّ النَّاس عامَّةً ينظرون إلى صورة الإسناد فقط، والتِّرْمِذيُّ ينظر إلى حاله في الخارج أيضًا، وهذا الَّذي ينبغي، والقصر على الإسناد فقط قصورٌ... إلى آخر ما بسط، قال الحافظ: هذه التَّرجمة معقودةٌ لأنَّ المَهر لا يتقدَّر أقلُّه، والمخالف في ذلك المالكيَّةُ والحنفيَّة، ووجه الاستدلال ممَّا ذكره الإطلاق مِنْ قوله: {صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء:4] ومِنْ قوله: {فَرِيضَةً} وقوله: في حديث سهلٍ (ولو خاتمًا مِنْ حديدٍ) وأمَّا قوله: (وكثرة المهر) فهو بالجرِّ عطفٌ على قول الله في الآية الَّتي تلاها وهو قوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء:20] فيه إشارةٌ إلى جواز كثرة المهر. انتهى.
          قلت: واختلف الأئمَّة في مقدار أقلِّ المهر، قال الحافظ: قال ابن المنذر: وهو ما تراضى عليه الزَّوجان أو مِنَ العقد إليه بما فيه منفعةٌ كالسَّوط والنَّعل وإن كانت قيمته أقلَّ مِنْ درهمٍ، وبه قال أهلُ المدينة غيرَ مالكٍ والأوزاعيِّ والثَّوريِّ والشَّافعيِّ وداود وابن وهبٍ مِنَ المالكيَّة، وقال أبو حنيفة: أقلُّه عشرةٌ، وقال ابن شُبْرمة: أقلُّه خمسةٌ، ومالكٌ: أقلُّه ثلاثةٌ أو ربعُ دينارٍ بناءً على اختلافهم في مقدار ما يجب فيه القطعُ، وقال الحافظ أيضًا: ونقلَ عياضٌ الإجماع على أنَّ مثل الشَّيء الَّذي لا يُتَمَوَّل ولا له قيمةٌ لا يكون صَداقًا ولا يحلُّ به النِّكاح، فإنْ ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمَّد بن جزم(1) فقال: يجوز بكلِّ ما يسمَّى شيئًا ولو كان حبَّةً مِنْ شعيرٍ. انتهى.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ تحت ترجمة الباب: والآية الأولى دالَّةٌ بأكثر الصَّداق والحديث لأدناه، وهل يتقدَّر أدناه أم لا؟ فمذهب الشَّافعيَّة والحنابلة أدنى متموَّلٍ لقوله صلعم: (التمس ولو خاتمًا مِنْ حديدٍ) والضَّابط كلُّ ما جاز أن يكون ثمنًا، وعند الحنفيَّة عشرة دراهم، والمالكيَّةِ ربعُ دينارٍ، فيستحبُّ عند الشَّافعيَّة والحنابلة ألَّا ينقص عن عشرة دراهم خروجًا مِنْ خلاف أبي حنيفة وألَّا يزيد على خمس مئة درهمٍ كأصدقة بنات النَّبِيِّ صلعم وزوجاته، وأمَّا صداق(2) أمِّ حبيبة أربع مئة دينارٍ فكان مِنَ النَّجاشي إكرامًا له صلعم.
          وللصَّداق أسماءٌ ثمانيةٌ مشهورةٌ جمعت في قوله:
صَدَاقٌ ومَهْرٌ نِحْلَةٌ وفَرِيضَةٌ                      حِبَاءٌ وأَجْرٌ ثُمَّ عَقْرٌ عَلائِقُ
          ثُمَّ ذكر الفرق بينها.


[1] في (المطبوع): ((حزم)).
[2] في (المطبوع): ((إصداق)).