الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تفسير ترك الخطبة

          ░46▒ (باب: تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ)
          ذكر فيه طرفًا مِنْ حديث عمر حين تأيَّمت حفصةُ، وفي آخره قول أبي بكرٍ الصِّدِّيق ☺ : ولو تركها لقبلتُها، قال ابن بطَّالٍ ما ملخَّصه: تقدَّم في الباب الَّذي قبله تفسير ترك الخِطبة صريحًا في قوله: (حتَّى ينكح أو يترك) وحديث عمر في قصَّة [حفصة] لا يظهر منه تفسير ترك الخِطبة، لأنَّ عمر لم يكن عَلم أنَّ النَّبيَّ صلعم خطب حفصة، [قال]: ولكنَّه قصد معنًى دقيقًا يدلُّ على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط، وذلك أنَّ أبا بكرٍ عَلم أنَّ النَّبيَّ صلعم إذا خطب إلى عمر أنَّه لا يردُّه بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم الله عليه به مِنْ ذلك، فقام علمُ أبي بكرٍ بهذا الحال مَقام الرُّكون والتَّراضي، فكأنَّه يقول: كلُّ مَنْ علم أنَّه لا يُصرف إذا خَطب لا ينبغي لأحدٍ أن يخطُب على خِطبته، وقال ابن المنيِّر: الَّذي يظهر لي أنَّ البخاريَّ أراد أن يحقِّق امتناع الخِطبة على الخِطبة مطلقًا، لأنَّ أبا بكرٍ امتنع ولم يكن أُبرم(1) الأمرُ بين الخاطب والوليِّ، فكيف لو انبرم وتراكَنَا؟ فكأنَّه استدلالٌ منه بالأَولى، قلت: وما أبداه ابن بطَّالٍ أدقُّ وأولى، والله أعلم. انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: وحاصل ما أبداه ابن بطَّالٍ وهو الأوجَهُ عندي أنَّ الإمام البخاريَّ أشار أنَّ إرادة الرَّجل الخِطبة أيضًا داخلٌ في الخِطبة، لأنَّ أبا بكرًا(2) امتنع عن الخِطبة لعلمه إرادتَه صلعم الخطبةَ، مع أنَّه ◙ لم يخطب بعد، وإذا كانت إرادة الخِطبة في حكم الخِطبة فتركُ الإرادة تركُها فطابق الحديث بالتَّرجمة.
          وكتب الشَّيخ المحدِّث مولانا أحمد على(3) السَّهَارَنْفوريُّ في «هامش النُّسخة الهنديَّة»: قوله: (تفسير ترك الخطبة) أي: الاعتذار عن تركها، قال شارح «التَّراجم»: مراد البخاريِّ الاعتذار عن الوليِّ إذا خطب رجلًا على وليَّةٍ(4) بما(5) في ذلك مِنْ ألم عار الرَّدِّ على الوليِّ، كذا في الكرمانيِّ، ثُمَّ ذكر ما تقدَّم مِنْ كلام الحافظ.
          وفي «الفيض» في شرح ترجمة الباب: يعني أنَّ القرائن الدَّالَّة على إرادة ترك التَّزوُّج كافيةٌ ولا يُحتاج إلى أن يصرَّح به أيضًا.
          قوله: (ولو تركها لقبِلتُها) قاله أبو بكرٍ لعمر، بقي أنَّ أبا بكرٍ كيف عَلم أنَّ النَّبيَّ صلعم تاركُها؟ قلت: بهذه القرائن الَّتي يُعرف به(6) الدُّنيا.


[1] في (المطبوع): ((انبرم)).
[2] في (المطبوع): ((بكرٍ)).
[3] في (المطبوع): ((علي)).
[4] في (المطبوع): ((وليته)).
[5] في (المطبوع): ((لما)).
[6] في (المطبوع): ((بها)).