الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من جعل عتق الأمة صداقها

          ░13م▒ (باب: مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا)
          قال الحافظ: كذا أورده غيرَ جازمٍ بالحكم، وقد أخذ بظاهره مِنَ القدماء سعيدُ بن المسيِّب وإبراهيم وطاوسٌ والزُّهريُّ، ومِنْ فقهاء الأمصار الثَّوريُّ وأبو يوسف وأحمد وإسحاق قالوا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عِتقها صداقها صحَّ العقدُ والعتقُ والمهرُ على ظاهر الحديث، وأجاب الباقون عن / ظاهر الحديث بأجوبةٍ أقربها إلى لفظ الحديث أنَّه أعتقها بشرط أنَّ يتزوَّجها فوجبت له عليها قيمتُها وكانت معلومةً فتزوَّجها بها، ويؤيِّده قوله في رواية عبد العزيز بن صُهيبٍ: سمعت أنسًا ☺ قال: ((سبى النَّبيُّ صلعم صفيَّة فأعتقها وتزوَّجها، فقال ثابتٌ لأنسٍ [ ☺ ]: ما أصدقَها؟، قال: نفسها فأعتقها)) هكذا أخرجه المصنِّف في المغازي، وفي رواية حمَّادٍ عن ثابتٍ وعبد العزيز عن أنسٍ في حديثٍ قال: ((وصارت صفيَّة لرسول الله صلعم، ثُمَّ تزوَّجها وجعل عِتقها صداقها، فقال عبد العزيز لثابتٍ: يا أبا محمَّدٍ أنت سألت أنسًا ما أمهرَها؟ قال: أمهرها نفسها، فتبسَّم)) فهو ظاهرٌ جدًّا في أنَّ المجعول مهرًا هو نفسُ العِتق فالتَّأويل الأوَّل لا بأس به، فإنَّه لا منافاة بينه وبين القواعد حتَّى لو كانت القيمة مجهولةً فإنَّ في صحَّة العقد بالشَّرط المذكور وجهًا عند الشَّافعيَّة، وقال آخرون: بل جعل نفس العتقِ المهرَ، ولكنَّه مِنْ خصائصه، وممَّن جزم بذلك الماورديُّ، وقال آخرون: قوله: (أعتقها وتزوَّجها) معناه: أعتقها ثُمَّ تزوَّجها، فلمَّا لم يعلم أنَّه ساق لها صداقًا قال: أصدقها نفسها، أي: لم يصدقها شيئًا فيما أعلم، ولم ينفِ أصل الصَّداق.
          ومِنْ ثَمَّ قال أبو الطَّيِّب الطَّبَريُّ مِنَ الشَّافعيَّة وابن المرابط مِنَ المالكيَّة ومَنْ تبعهما: إنَّه قول أنسٍ قاله ظنًّا مِنْ قبل نفسه ولم يرفعه، وربَّما تأيَّد ذلك عندهم بما أخرجه البَيْهَقيُّ مِنْ حديث أُمَيْمَة، ويقال: أَمَة الله بنت رَزِينَة عن أمِّها أنَّ النَّبيَّ صلعم أعتق صفيَّة وخطبها وتزوَّجها وأمهَرَها رَزِينَة، وقال(1): أتى بها مسبيَّةً مِنْ قريظة والنَّضير، وهذا لا يقوم به حجَّةٌ لضعف إسناده، ومِنَ المستغربات قول التِّرْمِذيِّ بعد أن أخرج الحديث: وهو قول الشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، قال: وكره بعض أهل العِلم أن يجعل عتقها صداقها حتَّى يجعل لها مهرًا سوى العتق، والقول الأوَّل أصحُّ، وكذا نقل ابن حزمٍ عن الشَّافعيِّ، والمعروف عند الشَّافعيَّة أنَّ ذلك لا يصحُّ، لكن لعلَّ مراد مَنْ نقله عنه صورةُ الاحتمال الأوَّل إلى آخر ما ذكر الحافظ، قال القَسْطَلَّانيُّ: وقد تمسَّك بظاهر الحديث أبو يوسف وأحمد فقالا: إذا أعتق أمَته على أن يجعل عتقها صداقها صحَّ العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وكان)).