الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من قال: لا نكاح إلا بولي

          ░36▒ (باب: مَنْ قَال: لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ)
          قال العَينيُّ: هذا لفظ الحديث(1) رواه أبو داود والتِّرْمِذيُّ مِنْ حديث أبي موسى الأشعريِّ، وإنَّما ترجم بهذا ولم يخرجه لكونه ليس على شرطه، وكذلك لم يخرجه مسلمٌ، وفيه كلامٌ كثيرٌ قد ذكرناه عن قريبٍ، ولكن لمَّا كان ميله إلى مَنْ قال: لا نكاح إلَّا بوليٍّ احتجَّ بثلاث آياتٍ ذكر هاهنا(2) مِنْ كلِّ آيةٍ قطعةً. انتهى.
          قال الحافظ: استنبط المصنِّف هذا الحكم مِنَ الآيات والأحاديث الَّتي ساقها لكون الحديث الوارد بلفظ التَّرجمة على غير شرطها، ثُمَّ بسط الحافظ الكلام على هذا الحديث، ورجَّح وصْله إذ قال: ومَنْ تأمَّل ما ذكرته عرف أنَّ الَّذين صحَّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادةَ ثقةٍ فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل الَّذي وصله على غيره إلى أكثر(3) ما ذكر، والمسألة خلافيَّةٌ.
          قال الشَّيخ في «الكوكب»: وقال الشَّافعيُّ بظاهر الحديث ألَّا نكاح إلَّا بوليٍّ، وعندنا إمَّا أن يكون المراد بالنِّكاح هو الَّذي لا يستغني فيه عن الولي كنكاح الصَّغيرة والأمَة، أو المراد به نفي نفاذه وتمامه بحيث لا يتيسَّر للولي إبطاله إذا كان فيه إبطال حقٍّ له، كما إذا تزوَّجت في غير كُفءٍ أو بأقلَّ مِنْ مهر مثلها جمعًا بين الرِّوايات وبينها وبين الآيات، أو يراد نفي حسنه، فإنَّ النِّكاح الَّذي لم يرضَ به الأولياء غير مستحسنٍ شرعًا وعرفًا. انتهى.
          وفي «هامشه»: وبقول الشَّافعيِّ قال أحمد، وقال مالكٌ: إن كانت المرأة دنيَّةً يجوز لها أن تزوِّج نفسها أو توكِّل مَنْ يزوِّجها، وإن كانت شريفةً لا بدَّ مِنْ وليِّها، وقال الإمام الأعظم: لا يُعتبر الوليُّ في البالغة.
          وفي ابن الهُمام: حاصل ما في الوليِّ عن علمائنا سبع رواياتٍ، روايتان عن أبي حنيفة، هكذا في «البذل». انتهى.
          قلت: والرِّوايات السَّبع بُسطت في «فتح القدير»، وظاهر الرِّواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف: ينعقد بدون الوليِّ لكن لا يستحبُّ، وعن محمَّد: ينعقد موقوفًا.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: (باب: مَنْ قال: لا نكاح إلَّا بوليٍّ) وجملة ما أورده فيه لا تثبت أنَّ جواز النِّكاح متوقِّفٌ على إجازته، فلا حاجة إلى الجواب أصلًا. انتهى.
          وفي «هامشه»: ما أفاده الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ واضحٌ، قال(4) الإمام البخاريُّ: ذكر في الباب أربعة أحاديث ليس في واحدٍ منها توقُّف النِّكاح على الوليِّ، غاية ما تلك الأحاديث إنكاح الرَّجل وليَّته ولا ينكره أحدٌ... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          وفي «الفيض»: واعلم أنَّ هاهنا مسألتان(5):
          الأولى: أنَّ النِّكاح لا ينعقد إلَّا برضا الوليِّ وإجازته، وإليه ذهب مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ.
          والثَّانية: أنَّ النِّساء لا أهليَّته(6) فيهنَّ للإنكاح فلا ينعقد النِّكاح بعبارتهنَّ وإن أجاز به الوليُّ ألف مرَّةٍ، فمحصَّل مذهب الجمهور أنَّ رضا الوليِّ مقدَّمٌ على رضا المولِّية، وكذا العقد الَّذي هو عبارةٌ عن الإيجاب والقَبُول لا يصلح إلَّا للرِّجال، فإن عقدت النِّكاح بنفسها لم ينعقد، وإن رضي به الوليُّ أيضًا، وذهب صاحبا أبي حنيفة إلى اشتراط الوليِّ فقط، فالضَّروريُّ عندهما رضا الوليِّ سواءٌ صدر النِّكاح بعبارته أو بعبارتها.
          قلت: وليت شعري مِنْ أين فهموا أنَّ الحديث حجَّةٌ لهم في المسألة الثَّانية أيضًا؟! فإنَّ أقصى ما يدلُّ عليه الحديث لغةً هو إنَّ رضا الوليِّ وشركته أمرٌ ضروريٌّ وأنَّ النِّكاح لا يكون إلَّا بشهوده، سواءٌ لحقته إجازةٌ سابقةٌ أو لاحقةٌ، وسواءٌ صدر النِّكاح / مِنْ عبارة المولِّية أو وليِّها، فالحديث إن كان حجَّةً ففي المسألة الأولى، وأمَّا المسألة الثَّانية فلا مِساس له بها... إلى آخر ما بسط الكلام على المسألة وفي ترجيح مسلك الحنفيَّة أشدَّ البسط.


[1] في (المطبوع): ((حديثٍ)).
[2] في (المطبوع): ((هنا)).
[3] في (المطبوع): ((آخر)).
[4] في (المطبوع): ((فإنَّ)).
[5] في (المطبوع): ((مسألتين)).
[6] في (المطبوع): ((أهلية)).