الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب التزويج على القرآن وبغير صداق

          ░50▒ (باب: التَّزْوِيجِ عَلَى الْقُرآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ)
          أي: على تعليم القرآن وبغير صداقٍ ماليٍّ عينيٍّ، ويحتمل غير ذلك، كما سيأتي البحث فيه. انتهى مِنَ «الفتح».
          وكتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «الكوكب»: قوله: (هَلْ مَعَك مِنَ القُرآنِ شَيءٌ...) إلى آخره، كأنَّه رغب المرأة أن تعفو عنه ما لها مِنَ المهر المعجَّل، وتقنَع بما سيؤتيها إذا يسَّره الله تعالى، ثُمَّ ما قال: (زَوَّجْتُكَهَا بما مَعَك مِنَ القُرآن) فالباء فيه للسَّببيَّة وليست للعِوض والمقابلة؛ إذ كيف يصحُّ المقابلة بما معك والحال أنَّ كونه معه ليس شيئًا يعوَّض به، وتقدير المضاف خلافُ الظَّاهر حتَّى يقال: إنَّه قال: زَوَّجْتُكَها لتعليم ما معك مِنَ القرآن، ثُمَّ إنَّهم اختلفوا فيما بينهم على جواز أخذ الأجر على تعليم القرآن وعدم جوازه، فجوَّزه الشَّافعيَّة ومنعه الحنفيَّة، إلى آخر ما ذكر مِنْ دليل المسألة. انتهى.
          وفي «هامشه»: ولو سُلِّم فهذا خاصٌّ بهذا الرَّجل كما جزم به الطَّحاويُّ والأبهريُّ لِما أخرجه سعيد بن منصورٍ وابن السَّكن عن أبي النُّعمان الأزديِّ(1) الصَّحابيِّ قال: ((زوَّج رسولُ الله صلعم امرأةً على سورةٍ مِنَ القرآن وقال: لا يكون لأحدٍ بعدك مهرًا)) قاله أبو الطَّيِّب. انتهى.
          وبسط الكلامَ في شرح هذا الحديث وبيان مذاهب الأئمَّة وتفاريعها في «الأوجز»، وفيه: الباء يحتمل أن يكون للعِوض كبعتك ثوبي بدينارٍ، وعلى هذا يحتاج إلى تأويلٍ، لأنَّ القرآن الَّذي معه لا يمكن أن يكون ثمنًا فيُؤوَّل بتعليمه، والثَّاني أن يكون للسَّببيَّة، أي: إكرامًا للقرآن الَّذي معك، وعلى هذا يكون النِّكاح بدون مَهرٍ كما هو ظاهرٌ، ولذا اختلفت الأئمَّة في ذلك، قال الموفَّق: إنْ أصدقَها تعليم صناعةٍ أو تعليم عبدها صناعةً يصحُّ لأنَّه منفعةٌ معلومةٌ يجوز بذل العِوض عنها فجاز [جعلها] صداقًا، إلى أن قال: وكذا تعليم غير ذلك مِنَ العلوم الشَّرعيَّة الَّتي يجوز أخذ الأجرة على تعليمها، فأمَّا تعليم القرآن فاختلفت الرِّواية عن أحمد في جَعْلِه صداقًا فقال في موضعٍ: أكرهُهُ، وقال في موضعٍ: جاز، وهو مذهب الشَّافعيِّ، ولا يجوز عند مالكٍ واللَّيث وأبي حنيفة، واحتجَّ مَنْ أجازه بحديث الباب. انتهى.
          وفي «نيل المأرب» في فروع الحنابلة: إنْ أصدقَها تعليم شيءٍ مِنَ القرآن ولو معيَّنًا لم يصحَّ وِفاقًا لأبي حنيفة. انتهى.
          وكذا في «الرَّوض المربِع».
          وفي «المحلَّى»: قال الحنفيَّة: الباء للسَّببيَّة، أي: بسبب ما معك مِنَ القرآن، فيَخْلُو النِّكاح عن المهر فيرجع إلى مهر المثل، قال التِّرْمِذيُّ: هو قول أحمد وإسحاق، فالنِّكاح / عندهم جائزٌ ولها صداق مثلها... إلى آخر ما بسط في «الأوجز»، ثُمَّ إنَّه قد تقدَّم في (باب: [هل] للمرأة أن تهب نفسها) الإشارةُ إلى مسألتين تناسبان هذا الباب:
          الأولى: هل يصحُّ النِّكاح بغير ذكر صداقٍ؟
          والثَّانية: هل يصحُّ بنفي الصَّداق أم لا؟
          أمَّا الأولى ففي «البحر»: ذكر الأكمل والكمال أنَّه لا خلاف لأحدٍ في صحَّته بلا ذكر المهر. انتهى.
          وفي «الأوجز» عن «شرح الإقناع»: إن لم يسمِّ صداقًا صحَّ العقدُ بالإجماع لكن مع الكراهية(2) كما صرح به الماورديُّ وغيره... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          وأمَّا المسألة الثَّانية: ففي «هامش اللَّامع» أيضًا: قال الموفَّق بعد ذكر صحَّة النِّكاح بدون التَّسمية: والاستدلال عليه بقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة:236] ولأنَّ القصد مِنَ النِّكاح الوصلُ والاستمتاع دون الصَّداق فصحَّ مِنْ غير ذكره كالنَّفقة، وسواءٌ تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه، مثل أن يقول: زوَّجتك بغير مهرٍ فيقبله كذلك، ولو قال: زوَّجتك بغير مهرٍ في الحال ولا في الثَّاني صحَّ أيضًا، وقال بعض الشَّافعيَّة: لا يصحُّ في هذه السُّورة(3)، لأنَّها تكون كالموهوبة وليس بصحيحٍ، لأنَّ الشَّرط يفسد ويجب المهر. انتهى.
          وفي «الهداية»: وكذا يصحُّ إذا تزوَّجها بشرط ألَّا مهر لها وفيه خلاف مالكٍ. انتهى.
          لكنَّ الموفَّق لم يذكر فيه خلاف مالكٍ، بل حكى خلاف بعض الشَّافعيَّة كما تقدَّم، وقال الدَّرْدِير: وفسد النِّكاح إن نقص صداقه عن ربع دينارٍ أو ثلاثة دراهم أو وقع العقد بإسقاطه، أي: على شرط إسقاطه فيسفخ(4)، قيل: وفيه بعده صداق المثل. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((لأزدي)).
[2] في (المطبوع): ((الكراهة)).
[3] في (المطبوع): ((الصورة)).
[4] في (المطبوع): ((فيفسخ)).