الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد؟

          ░29▒ (باب: هَل للمَرْأَةِ أنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لأَحَد؟)
          اعلم أنَّ في التَّرجمة والحديث عدَّة مباحث:
          الأوَّل: أنَّ هبة المرأة نفسها خاصٌّ بالنَّبِيِّ صلعم أو يعمُّ غيره أيضًا؟ وإليه أشار الإمام البخاريُّ بقوله: (هل)، ويتفرَّع على الثَّاني اختلافهم في أنَّ النِّكاح بلفظ الهبة جائزٌ أم لا؟ وهو البحث الثَّاني.
          والبحث الثَّالث: هل يجوز النِّكاح بغير صَداقٍ؟ كما يدلُّ عليه لفظ الهبة؟ ويتضمَّن هذا مسألتين:
          الأولى: هل يصحُّ النِّكاح بغير ذكر الصَّداق.
          والثَّانية: هل يصحُّ بنفي الصَّداق أم لا؟ وإلَّا نسب(1) لهاتين المسألتين ما سيأتي مِنْ تبويب المصنِّف (باب: التَّزويج على القرآن وبغير صادق(2)) فنذكرهما هناك إن شاء الله تعالى.
          والبحث الخامس ما ذكره الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع» إذا(3) كتب: وفي كلام عائشة نوع اختصارٍ مِنَ الرَّاوي، والأصل أنَّها قَطعت أوَّل الكلام ثُمَّ أخذت في الكلام، وهو أنَّه صلعم رخَّص في نسائه ولم يبقَ القَسْم واجبًا عليه، ودلالة الآية على هذا المعنى ظاهرةٌ، وأمَّا إذا أريد الاحتجاج على جواز هبة المرأة نفسَها على أن يكون هذا هو المراد بقولها: (في هواك) / فهو في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} الآية [الأحزاب:50] وهو إن(4) لم يكن مذكورًا لكنَّه على هذا التَّقرير الثَّاني مرادًا(5)، وكفت الإشارة بذكر بعض الآية. انتهى.
          والأوجه عندي أنَّ المراد بآية الإرجاء عدمُ نكاح الواهبات، وهو أحد الأقوال المعروفة في سبب نزول الآية، وإن كانت مسألة القَسْم أشهر، وهذا أحد الأبحاث الخمسة بسط الكلام على تلك المباحث في «هامش اللَّامع» فارجع إليه لو شئت التَّفصيل.
          وأمَّا الإجمالُ فنذكر هاهنا أمَّا البحث الأوَّل_أعني هبة المرأة نفسَها _ فلا يجوز لغير النَّبِيِّ صلعم اتِّفاقًا، ففي «الأوجز» عن الباجيِّ: لا خلاف أنَّه لا يجوز نكاحٌ بدون صَداقٍ لغير النَّبِيِّ صلعم، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ(6)} الآية [الأحزاب:50]... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          البحث الثَّاني: جواز النِّكاح بلفظ الهبة، وهو مختَلفٌ بين الأئمَّة، ففي «الأوجز» قال الموفَّق: ينعقد النِّكاح بلفظ النِّكاح(7) والتَّزويج إجماعًا ولا ينعقد بغيرهما، وبهذا قال ابن المسيِّب وعطاءٌ والزُّهريُّ والشَّافعيُّ، وقال الثَّوريُّ والحسن بن صالحٍ وأبو حنيفة وأصحابُه وأبو ثورٍ وأبو عُبيدٍ(8) وداود: ينعقد بلفظ الهبة والصَّدقة والتَّمليك، وقال مالكٌ: ينعقد بذلك إذا ذُكر المهر.
          قال الحافظ: قوله: (باب: هل للمرأة أن تهب...) إلى آخره، أي: فيحلُّ له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين:
          أحدهما: مجرَّد الهبة مِنْ غير [ذِكر] مَهرٍ.
          والثَّاني: العقد بلفظ الهبة، فالصُّورة الأولى: ذهب الجمهور إلى بطلان النِّكاح وأجازه الحنفيَّة والأوزاعيُّ، ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وحجَّة الجمهور قوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] فعدُّوا ذلك مِنْ خصائصه صلعم، وأنَّه يتزوَّج بلفظ الهبة بغير مَهرٍ في الحال ولا في المآل. انتهى إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع» في دلائل الفريقين.


[1] في (المطبوع): ((والأنسبُ)) بدل قوله: ((وإلا نسب)).
[2] في (المطبوع): ((صداق)).
[3] في (المطبوع): ((إذ)).
[4] في (المطبوع): ((وإن)).
[5] في (المطبوع): ((مرادٌ)).
[6] قوله: ((للنبي)) ليس في (المطبوع).
[7] في (المطبوع): ((الإنكاح)).
[8] في (المطبوع): ((عبيدة)).