الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تزويج اليتيمة

          ░43▒ (باب: تَزْوِيج اليَتِيمَة لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} الآية [النساء:3])
          قال الحافظ: ذكر فيه حديث عائشة في تفسير الآية المذكورة، وفيه دلالةٌ على تزويج الوليِّ غيرِ الأب الَّتي دون البلوغ بكرًا كانت أو ثيِّبًا، لأنَّ حقيقة اليتيمة مَنْ كانت دون البلوغ ولا أبَ لها، وقد أذن في تزويجها بشرط ألَّا يبخس مِنْ صَداقها، فيحتاج مَنْ منع ذلك إلى دليلٍ قويٍّ. انتهى.
          وكذا قال القَسْطَلَّانيُّ وزاد: وقد اختُلف في ذلك، فقال أصحاب أبي حنيفة: يصحُّ النِّكاح، ولها الخيار إذا بلغت في فسخ النِّكاح وإجازته، وقال الشَّافعيُّ: باطلٌ، لأنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((اليتيمة تُسْتَأمر)) واليتيمة اسمٌ للصَّغيرة الَّتي لا أب لها وهي قبل البلوغ لا عبرة بإذنها، وكأنَّه صلعم شرط بلوغها، فمعناه: لا تُنكَح حتَّى تبلغ فتُستأمر. انتهى.
          قلت: فحديث الباب يوافق الحنفيَّة ويخالف الشَّافعيَّة، قال صاحب «الجوهر النَّقيِّ» جوابًا عن استدلال البَيْهَقيِّ بحديث: ((تُسْتَأمر اليتيمة)).
          قلت: قد ذكر البَيْهَقيُّ فيما بعدُ في (باب: اليتيمة تكون في حجر وليِّها) عن عائشة سببَ نزول قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء:127] وعزاه إلى «الصَّحيحين» وفيه دليلٌ على أنَّ للأولياء إنكاحَ اليتامى قبل بلوغهنَّ إذ لا يتمُّ بعد الاحتلام... إلى آخر ما ذكر.
          قوله: (وإذا قَالَ: زَوِّجْنِي فُلانَة فَمَكَثَ سَاعَة...) إلى آخره، كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني بذلك أنَّ الإيجاب لا يبطل بالمكث والسُّكوت ما لم يشتغل بأمرٍ آخر يدلُّ على الإعراض، وفيه ردٌّ على أصحاب مالكٍ حيث ذهبوا إلى بطلان الإيجاب إذا لم يقارنه القَبول مِنْ غير تلبُّثٍ وتريُّثٍ. انتهى.
          وفي «هامشه» كما هو معروف عند المالكيَّة، ثُمَّ ذكر فيه النُّصوص عن كتب فروع المالكيَّة، ثُمَّ ذكر وبنحو قول المالكيَّة قال الشَّافعيَّة قال الشَّلبيُّ على «هامش الزَّيْلَعيِّ على الكنز»: وفي «البدائع» الفور في القَبول ليس بشرطٍ عندنا خلافًا للشَّافعيِّ، وفي «التَّجريد»: قَبول النِّكاح في المجلس قولُ أصحابنا، وقال الشَّافعيُّ: على الفور. انتهى.
          قوله: (فيه سهلٌ عن النَّبِيِّ صلعم) قال الحافظ: يعني حديث الواهبة، وقد تقدَّم مرارًا، ومراده منه أنَّ التَّفريق بين الإيجاب والقَبُول / إذا كان في المجلس لا يضرُّ ولو تخلَّل بينهما كلامٌ آخر، وفي أخذه مِنْ هذا الحديث نظرٌ لأنَّها واقعة عينٍ يطرقها احتمالُ أن يكون قبل عقب(1) الإيجاب. انتهى.
          قال العلَّامة العينيُّ في وجه الاستدلال بحديث سهلٍ: وفي آخر هذا الحديث مَلَّكْتُكَها أو زَوَّجْتُكَها وجرى بين قوله: (زَوِّجْنِيها) وبين قوله ╕: (زَوَّجْتُكَها) أشياءُ كثيرةٌ، كما ذكرها في الحديث ولم يضرَّ ذلك لاتِّحاد المجلس. انتهى.


[1] هامش من الأصل: كذا في الاصل والظاهر أنه تصحيف والجواب قبل عقد الإيجاب