الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الأكفاء في الدين

          ░15▒ (باب: الْأَكْفَاءِ في الدِّين)
          قال الحافظ: جمع كُفْءٍ_بضمِّ أوَّله وسكون الفاء بعدها همزةٌ _: المثل والنَّظير، واعتبار الكفاءة في الدِّين متَّفقٌ عليه فلا تحلُّ المسلمة للكافر أصلًا.
          (قوله: {وَهُوَ الَّذي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} الآية [الفرقان:54]) / قال الفرَّاء: النَّسب مَنْ لا يحلُّ نكاحُه، والصِّهر مَنْ يحلُّ نكاحه، فكأنَّ المصنِّف لمَّا رأى الحصر وقع بالقسمين صَلَحَ التَّمسُّك بالعموم لوجود الصَّلاحية إلَّا ما دلَّ الدَّليل على اعتباره وهو استثناء الكافر، وقد جزم بأنَّ اعتبار الكفاءة مختصٌّ بالدِّين مالكٌ، ونُقل عن ابن عمر وابن مسعودٍ، ومِنَ التَّابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، واعتَبر الكفاءةَ في النَّسب الجمهورُ.
          وقال أبو حنيفة: قريشٌ أكفاءُ بعضهم بعضًا والعرب كذلك وهو وجهٌ للشَّافعيَّة، وقال الثَّوريُّ: إذا نكح المولى العربيَّةَ يُفسَخ النَّكاح وبه قال أحمد في روايةٍ، وتوسَّط الشَّافعيُّ فقال: ليسَ نِكَاح غَير الأَكْفَاء حَرامًا فَأَرُدَّ(1) بهِ النِّكَاح، وإنَّما هو تقصيرٌ بالمرأة والأولياء فإذا رضُوا صحَّ، ويكون حقًّا لهم تركوه، فلو رضُوا إلَّا واحدًا فله فسخُه.
          قال الحافظ: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنَّسب حديثٌ إلى آخر ما ذكر، وبسط الكلام على مسألة الكفاءة في «هامش اللَّامع» وفيه قال الشَّيخ ابن القيِّم: وقد تنازع الفقهاءُ في أوصاف الكفاءة، فقال مالكٌ في ظاهر مذهبه: إنَّها الدِّين، وفي روايةٍ عنه أنَّها ثلاثةٌ: الدِّين والحرِّيَّة والسَّلامة مِنَ العيوب، وقال أبو حنيفة: هي النَّسب والدِّين، وقال أحمد في روايةٍ عنه: هي الدِّين والنَّسب خاصَّةً، وفي روايةٍ أخرى: هي خمسةٌ: الدِّين والنَّسب والحرِّيَّة والصِّناعة والمال... إلى آخر ما قال.
          وفي «البذل»: ومذهب الحنفيَّة أنَّ الكفاءة تُعتبر نسبًا فقريشٌ أكفاء بعضهم بعضًا، وباقي العرب أكفاء بعضهم بعضًا، وحرِّيَّةً وإسلامًا وديانةً ومالًا، وتُعتبر للنِّساء لا للرِّجال، لأنَّ النُّصوص وردت في جانب الرِّجال خاصَّةً... إلى آخر ما ذكر.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: الكفاءة معتبرةٌ في النِّكاح لِما روى جابرٌ أنَّه صلعم قال: ((ألا لا يُزَوِّج النِّساءَ إلَّا الأولياءُ، ولا يُزَوِّجهنَّ مِنْ غَير الأَكْفَاء)) ولأنَّ النِّكاح يُعقَد للعمر، ويشمل على أغراض ومقاصد كالازدواج والصُّحبة والأنفة وتأسيس القرابات، ولا ينتظم ذلك عادةً إلَّا بين الأَكْفاء، وقد جزم مالكٌ ⌂ بأنَّ اعتبار الكفاءة مختصٌّ بالدِّين، لقوله ╕: ((النَّاس سواءٌ لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ عَلى عَجَميٍّ، إنَّما الفَضْل بالتَّقْوى)) وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وأجيب بأنَّ المراد في حكم الآخرة وكلامُنا في الدُّنيا. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان:54] إيراد الرِّواية في هذا الباب مع إيراد الآية قبلها إشارةٌ منه إلى أنَّ المناكحة جائزةٌ فيما بين مَنْ ليسوا أكفاءً إلَّا أنَّ اعتبار الكفء(2) والنَّسب أفضل، لأنَّ الله تعالى مدح بالنَّسب، فلا يخلو اعتباره عن مصالح وفوائد وإن لم يكن أمرًا لا بدَّ له منه، كيف وقد أنكح أبو حذيفة سالمًا وكان مولًى(3)، وبنت(4) أخيه هند، وكذلك ضُباعة كانت تحت المِقْداد، وكذلك الأمر في قوله: ((فاظفر بذات الدِّين)) يرجِّح اعتبار الدِّين على النَّسب، وكذلك قوله صلعم: ((هذا أخير(5) مِنْ ملاء(6) الأرض مثل هذا)) أشار إلى أنَّ الدِّين هو المرجِّح القابل لمزيد(7) الاعتناء، فالمتديِّن أفضل مِنْ غيره وإن كان أدوَنَ منه في النَّسب والمال، وإذا قال(8): وإذا كان خيرًا منه كان الإنكاح منه أفضل، فعُلم بذلك أنَّ الأحقَّ بالاعتناء في الكفاءة هو الدِّين. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((فأراد)).
[2] في (المطبوع): ((الكفوء)).
[3] في (المطبوع): ((مولاه)).
[4] في (المطبوع): ((بنت)).
[5] في (المطبوع): ((خير)).
[6] في (المطبوع): ((ملء)).
[7] في (المطبوع): ((المزيد)).
[8] قوله: ((وإذا قال)) ليس في (المطبوع).