الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

{إنا أعطيناك الكوثر}

           ░░░108▒▒▒ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}
          ♫
          وفي «نسخ الشُّروح الثَّلاثة» بزيادة لفظ <سورة> بغير البسملة، قال العَينيُّ: وهي مكِّيَّةٌ عند الجمهور، وقال قَتادة والحسن وعكرمة: مدنيَّةٌ، وسبب الاختلاف فيه لأجل الاختلاف في سبب النُّزول، فعن ابن عبَّاسٍ: نزلت في العاص بن وائلٍ فإنَّه قال: في حقِّ النَّبِيِّ صلعم: الأبتر، وقيل: في عقبة بن أبي مُعيطٍ، وعن عكرمة: في جماعةٍ مِنْ قريشٍ، وقيل: في أبي جهلٍ، وقال السُّهيليُّ: في كعب بن الأشرف، قال: ويلزم مِنْ هذا أن تكون السُّورة مدنيَّةً، وفيه تأمُّلٌ. انتهى.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: مكِّيَّةٌ أو مدنيَّةٌ. انتهى.
          قال الحافظ: هي سورة الكوثر، وقد قرأ ابن مُحَيصنٍ: ▬إِنَّا أَنْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ↨_بالنُّون_ وكذا قرأها طلحة بن مصرِّفٍ، والكوثر: فَوْعلٌ مِنَ الكثرة سمِّي بها النَّهر لكثرة(1) مائه وآنيته وعظم قدره وخيره.
          قوله: ({شَانِئَكَ} عدوَّك) وقد وصله ابن مَرْدَويه مِنْ طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ كذلك، واختَلف النَّاقلون في تعيين الشَّانئ المذكور فقيل: هو العاصي بن وائلٍ، وقيل: أبو جهلٍ، وقيل: عُقبة بن أبي مُعيطٍ، ثُمَّ ذكر المصنِّف في الباب ثلاثة أحاديث:
          الأوَّل: حديث أنسٍ وقد تقدَّم شرحُه في أوائل المبعث في قصَّة الإسراء في أواخرها، ويأتي بأوضحَ مِنْ ذلك في أواخر كتاب الرِّقاق.
          وقوله: (لمَّا عُرج بالنَّبِيِّ صلعم إلى السَّماء قال: أتيت على نهرٍ حافتاه قباب اللُّؤلؤ مجوَّف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر) هكذا اقتصر على بعضه، وساقه(2) البَيْهَقيُّ مِنْ طريق إبراهيم بن الحسن عن آدم شيخ البخاريِّ فيه فزاد بعد قوله: الكوثر: ((الَّذي أعطاك ربُّك، فأهوى الملَك بيده، فاستخرج مِنْ طينه مسكًا أذفر)) وأورده البخاريُّ بهذه الزِّيادة في الرِّقاق مِنْ طريق همَّامٍ عن أبي هريرة.
          الثَّاني: حديث عائشة وفيه: (هو نهرٌ أعطيه نبيُّكم) زاد النَّسائيُّ: ((في بُطْنان الجنَّة، قلت: ما بُطْنان الجنَّة؟ قالت: وسطُها)). انتهى.
          وبُطْنان: بضمِّ الموحَّدة وسكون المهملة بعدها نونٌ.
          الحديث الثَّالث: حديث ابن عبَّاسٍ مِنْ رواية أبي بشرٍ عن سعيد بن جُبيرٍ عنه، ثُمَّ ذكر الحافظ ألفاظ الرِّواية ثُمَّ قال: هذا تأويلٌ مِنْ سعيد بن جُبيرٍ جمع به بين حديثَي عائشة وابن عبَّاسٍ، وكأنَّ النَّاس الَّذين عناهم أبو بشرٍ أبو إسحاق / وقَتادة ونحوُهما ممَّن روى(3) ذلك صريحًا أنَّ الكوثر هو النَّهر، وقد أخرج التِّرْمِذيُّ مِنْ طريق ابن عمر رفعه ((الكوثر نهرٌ في الجنَّة حافتاه مِنْ ذهبٍ ومجراه على الدُّرِّ والياقوت)) الحديث، قال: إنَّه حسنٌ صحيحٌ، وفي «صحيح مسلمٍ» عن أنسٍ ((بينما نحن عند النَّبِيِّ صلعم إذ أغفى إغفاءةً، ثُمَّ رفع رأسه متبسِّمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت عليَّ سورةٌ، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]... إلى آخرها، ثُمَّ قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنَّه نهرٌ وَعَدَنِيه ربِّي، عليه خيرٌ كثيرٌ، وهو(4) حوضٌ تَرِد عليه أمَّتي يوم القيامة)) الحديث.
          وحاصل ما قاله سعيد بن جُبيرٍ أنَّ قول ابن عبَّاسٍ: إنَّه الخير الكثير لا يخالف قول غيره: إنَّ المراد به نهرٌ في الجنَّة، لأنَّ النَّهر فردٌ مِنْ أفراد الخير الكثير، ولعلَّ سعيدًا أومأ إلى أنَّ تأويل ابن عبَّاسٍ أولى لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنَّهر مِنْ لفظ النَّبِيِّ صلعم فلا مَعدِل عنه، وقد نقل المفسِّرون في الكوثر أقوالًا أخرى غير هذين تزيد على العشرة منها قول عكرمة: الكوثر النُّبوَّة، وقول الحسن: الكوثر القرآن، وقيل: تفسيره، وقيل: الإسلام، وقيل: إنَّه التَّوحيد، وقيل: كثرة الأتباع، وقيل: الإيثار، وقيل: رِفعة الذِّكر، وقيل: نور القلب، وقيل: الشَّفاعة، وقيل: المعجزات، وقيل: إجابة الدُّعاء، وقيل: الفقه في الدِّين، وقيل: الصَّلوات الخمس، وسيأتي مزيدُ بسطٍ في أمر الكوثر، وهل الحوض النَّبويِّ هو أو غيره؟ في كتاب الرِّقاق إن شاء الله تعالى.


[1] في (المطبوع): ((لكثر)).
[2] في (المطبوع): ((ساقه)).
[3] في (المطبوع): ((روي)).
[4] في (المطبوع): ((هو)).