الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

المائدة

          ♫
          قال العلَّامة العينيُّ: لم تُذكر البسملة في رواية أبي ذَرٍّ، ولقد أحسن مَنْ ذكرها.
           ░░░5▒▒▒ <سورة المائدة>
          وهكذا في نسخة «الفتح»، وفي «نسخة العينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ»: <باب: تفسير سورة المائدة>، قال العلَّامة العينيُّ: أي: بيان تفسير بعض شيءٍ مِنْ سورة المائدة، وهي على وزن فاعلة بمعنى مفعولة، أي: مِيد بها صاحبها، وقال الجوهريُّ: مادَهم يَمِيدَهم لغةٌ / في مارهم مِنَ الميرة، ومنه المائدة وهي خُوانٌ عليه طعامٌ فإذا لم يكن عليه طعامٌ فليس بمائدةٍ وإنَّما هو خُوانٌ، وقال أبو عُبيدة: مائدة فاعلة، بمعنى مفعولة مثل {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:7[]بمعنى مرضيَّةٍ. انتهى.
          قلت: وسيأتي في البخاريِّ تفسير لفظ: (المائدة) في (باب: قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ}) إلى آخره، وقال القَسْطَلَّانيُّ: وهي مدنيَّةٌ إلَّا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فبعرفة عشيَّتها، قال في «الينبوع»: ومَنْ نسب هذه السُّورة إلى عرفة فقد سها، بل نزلت بالمدينة سِوى الآيات مِنْ أوَّلها فإنَّهنَّ نزلن في حَجَّة الوداع وهو على راحلته بعرفة بعد العصر. انتهى.
          وقد روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: ((إنِّي لآخذةٌ بزمام العضباء ناقة رسول الله صلعم إذ نزلت عليه المائدة كلُّها وكادت مِنْ ثقلها تدقُّ عضد النَّاقة)) وعن ابن عمر: ((آخر سورةٍ أنزلت المائدة والفتح)) قال التِّرْمِذيُّ: حسنٌ غريبٌ. انتهى.
          وقال العينيُّ: قال عَطاء بن [أبي] (1) مُسلمٍ: نزلت سُورَة الْمَائِدَة ثُمَّ سُورَة التَّوْبَة، وَقَالَ أَبُو الْعبَّاس: فِي «مقامات التَّنْزِيل»: هِيَ آخر مَا نزل وفيهَا اخْتِلَافٌ فِي سِتِّ آيَاتٍ... إلى آخر ما ذكر.
          قوله: ({وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:1] يريد قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:1] (واحدها حَرَامٌ) وهو(2) قول أبي عُبيدة وزاد: حَرامٌ بمعنى مُحرِمٍ، وقرأ الجمهور: بضمِّ الرَّاء، ويحيى بن وثَّابٍ بإسكانها، وهي لغةٌ كرُسُلٍ ورُسْلٍ. انتهى مِنَ «الفتح» بزيادةٍ.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: واحدها حرامٌ أي: لا حرمة. انتهى.
          وفي «هامشه»: نبَّه بذلك على دفع توهُّم أنَّها جمع حرمةٍ، وفي «المجمع»: في حديث أشهر الحجِّ: (وحُرُم الحجِّ)_بضمِّ الحاء والرَّاء _ كأنَّها تريد الأوقات والمواضع، وعند الأَصيليِّ: بفتح راءٍ جمع حرمةٍ، أي: ممنوعات الشَّرع ومحرَّماته. انتهى.
          والحاصل: أنَّ الحُرُم بضمَّتين واحدها حرامٌ، وأمَّا الحُرَم_بضمٍّ ففتحٍ _ واحدها حرمةٌ. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          قوله: (جعل الله لكم...) إلى آخره، كتب الشَّيخ: يعني أنَّ (كتب) ليس هاهنا بمعنى فرض، بل بمعنى التَّقدير والتَّعيين.
          وقوله: ({تَبُوءَ} تحمل) يعني أنَّ {تَبُوء} هاهنا ليست بمعنى جعل الشَّيء وطنًا، كما في قوله: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر:9]. [بل بمعنى الحمل، والنُّكتة في تعبيره بلفظٍ دون لفظٍ آخر ممَّا فيه معنى الحمل الإشارة إلى أنَّه باحترام هذه الكبيرة يقتحم فيها، فكأنَّه محاطٌ بها إحاطة المكان بالمتمكِّن] انتهى مِنَ «اللَّامع».
          قال الحافظ: قَالَ أَبُو عُبيدة فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة:29] أَيْ: تَحْمِلَ إِثْمِي وَإِثْمَكَ، قَالَ: وَلَهُ تَفْسِيرٌ آخَرُ: تَبُوء أَيْ: تُقِرَّ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا(3). انتهى.
          قوله: (وقال غيره: الإغراء التَّسليط)، قال العلَّامة القَسْطَلَّانيُّ: قيل: هو غير السُّدِّيِّ أو غير مَنْ فسَّر السَّابق، وسقط للنَّسَفيِّ: (وقال غيره) فلا إشكال، والإغراء المذكور في قوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ} [المائدة:14]، هو: (التَّسليط) وقيل: (أغرينا: ألقينا) ({أُجُورَهُنَّ} يريد: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة:5] (أي: مهورهنَّ) وهذا تفسير أبي عُبيدة. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          وكتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ قوله: ({أُجُورَهُنَّ} مُهُورَهُنَّ) فسَّره به لِما في حمله على ظاهره مِنْ توهُّم جواز المتعة، ولعلَّ الوجه في تعبير المهر بالأجر التَّحضيض على أدائها، لأنَّه عوضٌ عن البضعة، فكان حبسها كحبس أجرة الأجير، ولا شكَّ في كونه مَعْيُوبًا. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال ابن الجوزيِّ في « تفسيره»: وقد تكلَّم قومٌ مِنْ مفسِّري القرآن، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثُمَّ نُسخت بما رُوي عن النَّبيِّ صلعم: أنَّه نهى عن متعة النِّساء، وهذا تكلُّفٌ لا يُحتاج إليه، وفيه أيضًا: وقال ابن جريرٍ الطَّبَريُّ: أَولى التَّأويلين في ذلك بالصَّواب تأويلُ مَنْ تأوَّله، فما نكحتموه منهنَّ فجامعتموهنَّ فآتوهنَّ أجورهنَّ، فقوله تعالى: {فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] يعني: مهورهنَّ.
          قوله:({مَنْ أَحْيَاهَا} يعني...) إلى آخره، كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: لمَّا كان الإحياء صفةً خاصَّةً بالرَّبِّ تبارك وتعالى وجب حمله على المجاز، فاحتاج إلى بيان / معناه. انتهى.
          وذكر في «هامشه» أقوال المفسِّرين في تفسير هذه الآية، وقد ترجم المصنِّف في كتاب الدِّيات: (باب: قول الله ╡: {مَنْ(4) أَحْيَاهَا} [المائدة:32] قال ابن عبَّاسٍ: مَنْ حَّرم قتلها).


[1] قوله: ((أبي)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((هو)).
[3] في (المطبوع): ((هاهنا)).
[4] في (المطبوع): ((ومن)).