الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

سورة يوسف

          < ♫
           ░░░12▒▒▒ سورة يوسف>
          هكذا في «النُّسخ الهنديَّة» بتقديم البسملة، وفي «نسخ الشُّروح الثَّلاثة» بتأخير البسملة عن السُّورة، قال أبو العبَّاس في «مقامات التنزيل»: سورة يوسف مكِّيَّةٌ كلُّها، وما بلغنا فيها اختلاف، وفي «تفسير ابن النَّقيب» عن ابن عبَّاسٍ وقتادة: نزلت بمكَّة إلَّا أربعَ آياتٍ فإنَّهن نزلن بالمدينة: ثلاث آياتٍ مِنْ أوَّلها، والرَّابعة: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:7] وسبب نزولها سؤال اليهود عن أمر يعقوب ويوسف ◙. انتهى مِنَ العينيِّ.
          قوله: (قال فُضَيلٌ عن حُصينٍ عن مجاهدٍ: {مُتْكًا}) بضمِّ الميم وسكون الفوقيَّة وتنوين الكاف مِنْ غير همزٍ، وهي قراءة ابن عبَّاسٍ وغيره.
          (الأُتْرُجُّ) بضمِّ الهمزة وسكون الفوقيَّة وضمِّ الرَّاء وتشديد الجيم، ولأبي ذَرٍّ <الأُتْرُنْج> بزيادة نونٍ بعد الرَّاء وتخفيف الجيم لغتان.
          (قوله: كلُّ شيء قطع بالسِّكِّين) كالأُترجِّ وغيره مِنَ الفواكه، قيل: وهو مِنْ مَتَك بمعنى بَتَك الشَّيءَ أي: قطعه، فعلى هذا يحتمل أن يكون الميم بدلًا مِنَ الباء وهو بدلٌ مطَّردٌ في لغة قومٍ ويحتمل أن تكون مادَّة أخرى وافقت هذه. انتهى كلُّه مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          قوله: (وقال بعضهم: واحدها شدٌّ) قال أبو عُبيدة: الأشدُّ: جمعٌ لا واحد له مِنْ لفظه وحكى الطَّبَريُّ أنَّه واحدٌ لا نظير له في الآحاد، وقال سيبويه: واحدها شدَّة، وكذا قال الكِسائيُّ لكن بلا هاءٍ. انتهى مِنَ «الفتح».
          قوله: والمتَّكأ_بتشديد الفوقيَّة وبعد الكاف همزةٌ _ على قراءة الجمهور: اسم مفعولٍ، (ما اتَّكأت عليه لشرابٍ...) إلى آخره، أي: لأجل شرابٍ، (وأبطل) قول (الَّذي قال): إنَّ المتَّكأ هو (الأُتْرُجُّ)، ولأبي ذَرٍّ: <الأُترنج>، (وليس في كلام العرب الأُترجُّ)، أي: ليس مفسَّرًا في كلامهم / به وهذا أخذه مِنْ كلام أبي عُبيدة، ولفظه: وزعم قومٌ أنَّه التَّرنج وهذا أبطلُ باطلٍ في الأرض. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          قلت: وكذا قال الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع» إذ كتب قوله: (وليس في كلام العرب...) إلى آخره، أي: المتَّكأ بمعنى الأُترجِّ، لأنَّ الكلام فيه لا في الأُتْرُنْج إلى آخر ما قال.
          وبسط في «هامشه» الكلام في شرح هذا المقام مِنْ كلام الشُّرَّاح ومِنْ «تقرير المكِّيِّ»، وفي «الفتح»: وأمَّا المتَّكأ: فقال أبو عُبيدة: {أَعْتَدَتْ} أي: أعتدت لهنَّ متَّكأً، أي: نُمْرُقًا يُتَّكَأ عليه، وزعم قومٌ أنَّه التُّرنج، وهذا أبطل باطلٍ في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتَّكَأ تُرُنج يأكلون(1) ويقال: ألقى(2) له متَّكأً يجلس عليه. انتهى.
          وقوله: (ليس في كلام العرب الأُتْرُجُّ) يريد أنَّه ليس في كلام العرب تفسير المتَّكأ بالأُترجِّ، لكنَّ ما نفاه المؤلِّف ⌂ تبعًا لأبي عُبيدة قد أثبته غيرُه، وقد روى عبد بن حُميدٍ عن ابن عبَّاس أنَّه كان يقرؤها {مُتْكًا} مخفَّفةً، ويقال: هو الأُترجُّ، وقد حكاه الفرَّاء وتبعه الأخفش وأبو حنيفة الدِّينَوريُّ وغيرهم كصاحب «المحكم» و«الجامع» و«الصِّحاح»: قال الجوهريُّ: وعن الأخفش: المتَّكَأ الأُتْرُجُّ.
          تنبيهٌ: مُتْكًا_بضمِّ أوَّله وسكون ثانيه وبالتَّنوين على المفعوليَّة _: هو الَّذي فسَّره مجاهدٌ وغيره بالأُتْرُجِّ أو غيره وهي قراءةٌ، وأما القراءة المشهورة_أي بالتَّشديد وبالهمز في آخره _ فهو ما يُتَّكأ عليه مِنْ وسادةٍ وغيرها، كما جرت به عادة الأكابر عند الضِّيافة، وبهذا التَّقرير لا يكون بين النَّقلين تعارضٌ، وروى عبد بن حُميدٍ عن مجاهدٍ قال: مَنْ قرأها مثقَّلةً قال: الطَّعام، ومَنْ قرأها مخفَّفةً قال: الأُترجُّ. انتهى.
          قوله: (فلمَّا احتُجَّ عليهم)_بضمِّ التَّاء _ أي: على القائلين بأنَّه الأُترجُّ (بأنَّه المتَّكأ) بالتَّشديد والهمزة (مِنْ نمارقَ) يعني: وسائدَ (فرُّوا إلى شرٍّ منه فقالوا: إنَّما هو المتْك ساكنة التَّاء)_مخفَّفةً وساكنةً _ (وإنَّما المتْك) المخفَّف (طرف البَظْر) بفتح الموحَّدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان مِنَ المرأة (ومِنْ ذلك) اللَّفظ (قيل لها) أي: للمرأة (مَتكاء وابن المَتكاء) بفتح الميم والتَّخفيف والمدِّ فيهما، وهي الَّتي لم تختن، ويقال: البَظْراء أيضًا، (فإن كان ثَمَّ)_بفتح المثلَّثة _ أي: هناك... إلى آخره، وقد عُلم ممَّا مرَّ أنَّ المتك المخفَّف يكون بمعنى الأُترجِّ، وبمعنى طرف البَظْر، وأنَّ المشدَّد هو ما يُتَّكأ عليه مِنْ وسادةٍ، وحينئذٍ فلا تعارُض بين النَّقلين كما لا يخفى. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          قال الحافظ: ثُمَّ لا مانع أن يكون المتَّكأ مشتركًا بين الأُتْرجِّ وطرف البَظْر، والبَظْر: موضع الختان مِنَ المرأة. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع» عن «تقرير المكِّيِّ»: قوله: فلمَّا احْتُجَّ، يعني: فلما صاروا محجوجين وثبت عليهم أنَّه المتَّكأ الَّذي يكون مِنَ النَّمارق لا الأُتْرنج فرُّوا إلى شرٍّ مِنَ الأوَّل فقالوا: المتك هاهنا بمعنى طرف البَظْر، وقد وُجد المتك بمعنى طرف البظر في كلام العرب، قال قُدِّسَ سِرُّهُ: ويمكن إصلاح هذا بأن يقال: المراد بالمتك ما يستقرُّ عليه المتك، يعني: طرف البظر وهو المتَّكأ بعينه، فكان مجازًا مِنْ قَبيل ذكر الحالِّ وإرادة المحلِّ، وكان مآل القراءتين إلى معنًى واحدٍ وهذا جيِّدٌ. انتهى.
          وفي «الفيض» قوله: (فرُّوا إلى شرٍّ منه) أي: إنَّما عدل هؤلاء إلى توجيهه فأخذوه مِنَ المتك بمعنى طرف البظر ليكون قريبًا مِنْ معناه المشهور، أي: ما اتَّكأت عليه لشرابٍ أو لطعامٍ فوقعوا في شرٍّ مِنَ الأوَّل وأقبح منه، وقوله: (فإن كان ثَمَّ أُتْرنج فإنَّه بعد المتَّكأ) يعني أنَّ أكله لا يكون إلَّا بعد الجلوس. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((يأكلونه)).
[2] في (المطبوع): ((أُلقِي)).