الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

{والفجر}

           ░░░89▒▒▒ <{وَالْفَجْرِ}>
          كذا في «النُّسخة الهنديَّة»، وفي «نسخ الشُّروح الثَّلاثة» بزيادة لفظ <سورة>، والبسملة ساقطةٌ عن الكلِّ.
          (قوله: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7] يعني: عادًا الأولى) ولأبي ذَرٍّ: <يعني: القديمة> وفي «اليونينيَّة»: <إرْمَ ذات> بكسر الهمز وسكون الرَّاء وفتح الميم، ورُويت عن الضَّحَّاك لكن بفتح الهمزة، وأصله أَرِم على وزن فَعِلٍ كفخذٍ مخفَّف، (والعماد) رفع مبتدأٍ خبره: (أهل عمود لا يقيمون في بلدٍ) هذه كانوا(1) سيَّارةً ينتجعون الغيث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، وعن ابن عبَّاسٍ: إنَّما قيل لهم: ذات العماد لطولهم، واختار الأوَّل ابن جريرٍ وردَّ الثَّاني، قال ابن كثيرٍ: فأصاب وحينئذٍ فالضَّمير يعود على القبيلة، قال: وأمَّا ما ذكره جماعةٌ مِنَ المفسِّرين عند هذه الآية مِنْ ذكر مدينةٍ يقال لها: إرم ذات العماد، مبنيَّةٌ بلَبِن الذَّهب والفضَّة، وأنَّ حصباءها اللآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك إلى غير ذلك مِنَ الأوصاف، وأنَّها تنتقل فتارةً تكون بالشَّام وتارةً باليمن، وأخرى بغيرهما مِنَ الأرض، فمِنْ خرافات الإسرائيليِّين وليس لذلك حقيقةٌ، وأمَّا ما أخرجه ابن أبي حاتمٍ مِنْ طريق وهب بن منبِّهٍ عن عبد الله بن أبي قِلابة في هذه القصَّة أيضًا وذكر عجائبها، فقال في «الفتح»: فيها ألفاظٌ منكرةٌ، وراويها عبد الله بن أبي قِلابة لا يُعرف، وفي إسناده ابن لَهِيْعة، ومثله ما يُخبِر به كثيرٌ مِنَ الكَذَبة المتحيِّلين مِنْ وجود مطالب تحت الأرض بها قناطير الذَّهب والفضَّة والجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير، لكنَّ عليها موانع تمنع مِنَ الوصول إليها فيحتالون على أموال ضَعفة العقول والسُّفهاء، فيأكلونها بحجَّة صرفها في بخوراتٍ ونحوها مِنَ الهذيانات، وتراهم ينفقون على حفرها بالأموال(2) الجزيلة ويبلغون في العمق غايةً ولا يظهر لهم إلَّا التراب والحجر فيفتقر الرَّجل منهم، وهو مع ذلك لا يزداد إلَّا طلبًا حتَّى يموت. انتهى.
          وكتب الشَّيخ: قوله: (يعني: القديمة) تفسيرٌ لما لم يذكر هاهنا وهو قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر:6] والعاد عادان: أوَّلٌ وثانٍ، فبيَّن المؤلِّف أنَّ المراد في الآية القديمةُ منهما.
          وفي «هامشه» عن الكرمانيِّ قال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7] أي: القديمة لمَّا كانت عادٌ قبيلتين عادٌ الأولى وعادٌ الأخيرة، جعل إرم عطفَ بيانٍ لعادٍ إيذانًا بأنَّهم عادٌ الأولى القديمة، وهي اسم أرضهم الَّتي كانوا / فيها. انتهى.
          وبسط الحافظ في تحقيق لفظ إرم، وفي معنى: {ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7]، وذكر فيها(3) أقوالًا عديدةً. انتهى.
          قال الحافظ: قيل: إرم هو ابن سام بن نوحٍ، وعاد بن عوص بن إرم، وقيل: إرم اسم المدينة، وقيل أيضًا: إنَّ المراد بالعماد شدَّة أبدانهم وإفراط طولهم، وقد أخرج ابن مَرْدويه مِنْ طريق المقدام بن مَعديكرب قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلَّم في قوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7] قال(4): ((كان الرَّجل يأتي الصَّخرة فيحملها على كاهله فيلقها(5) على أيِّ حيٍّ أراد، فيهلكهم)) إلى آخر ما بسط مِنَ الأقاويل في تحقيق إرم وذات العماد.
          وقال الحافظ أيضًا: لم يذكر المصنِّف في الفجر حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيه حديث ابن مسعودٍ رفعه في قوله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] قال: ((يؤتى بجهنَّم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلِّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرُّونها)) أخرجه مسلمٌ والتِّرْمِذيُّ.


[1] في (المطبوع): ((وكانوا)) بدل قوله: ((هذه كانوا)).
[2] في (المطبوع): ((الأموال)).
[3] في (المطبوع): ((فيهما)).
[4] في (المطبوع): ((وقال)).
[5] في (المطبوع): ((فيلقيها)).