الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

سورة براءة

           ░░░9▒▒▒ سورة براءة
          قال الحافظ: هي سورة التَّوبة، وهي أشهر أسمائها، ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة، واختُلف في ترك البسملة أوَّلها، فقيل: لأنَّها نزلت بالسَّيف والبسملةُ أمانٌ، وقيل: لأنَّهم لمَّا جمعوا القرآن شكُّوا هل هي والأنفال واحدةٌ أو اثنتان(1)؟ ففصلوا بينهما بسطرٍ لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة، روى(2) ذلك ابن عبَّاسٍ عن عثمان وهو المعتمد، وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب «السُّنن». انتهى.
          وقال العلَّامة العينيُّ: قال أبو الحسن بن الحصَّار: هي مدنيَّةٌ باتِّفاقٍ، وقال مقاتلٌ: إلا آيتين مِنْ آخرها: {لَقَدْ جَاءَكُمْ} [التوبة:128]... إلى آخرها، فإنَّهما نزلت(3) بمكَّة، وقيل: فيها اختلافٌ في أربع عشرة آيةً، ولها ثلاثة عشر اسمًا، اثنان مشهوران: براءة والتَّوبة، ثُمَّ ذكر العينيُّ بقيَّة الأسماء، وكذا بسط الكلام على ترك البسملة في أوَّلها.
          (قوله: {أَهْوَى} ألقاه في هُوَّةٍ) [النجم:53] كتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: وليس هذا اللَّفظ هاهنا في هذه السُّورة، فإيراده تأييد ما(4) ترجم به.
          قوله: ({وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة:70]) حيث كان المراد / هو السُّقوط والانقلاب، كما صرَّح(5) في قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53]. انتهى.
          وفي «هامشه»: أجاد الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في توجيه ذكر هذه اللَّفظة الَّتي في سورة النَّجم في تفسير سورة براءة، وما أفاده أوجَهُ ممَّا قاله الشُّرَّاح، وتوضيح ذلك أنَّ الإمام البخاريَّ قال أوَّلًا: {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة:70] ائتفكت: انقلبت به الأرض، وَالْمُؤْتَفِكَاتِ واردٌ في سورة براءة، ثُمَّ ذكر بعده متَّصلًا قوله: ({أَهْوَى} ألقاه في هوَّةٍ) [النجم:53].
          قال الحافظ تبعًا للكرمانيِّ: قوله: (أَهْوَى: ألقاه...) إلى آخره، هذه اللَّفظة لم تقع في سورة براءة، وإنَّما هي في سورة النَّجم ذكرها المصنِّف هاهنا استطرادًا مِنْ قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53]. انتهى.
          وحاصل ما أفاده الشَّيخ أنَّ الإمام البخاريَّ ذكر أوَّلًا: قوله:{وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} وهو واردٌ في سورة براءة في قوله: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} الآية [التوبة:70] قال صاحب «الجمل» أي: المنقلبات الَّتي جعل الله عاليها سافلها، ويقال: أَفَكَهُ إذا قَلَبَهُ، وبابه ضرب ولمَّا كان ذكر قوم لوطٍ في سورة النَّجم بلفظٍ أوضح منه ذكرها توضيحًا لقوله الأوَّل، وفي «الجلالين» قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53] وهي قرى قوم لوطٍ، وقوله: {أَهْوَى} [النجم:53] أي: أسقطها بعد رفعها إلى السَّماء مقلوبةً إلى الأرض. انتهى.
          وهكذا فسَّر عامَّة المفسِّرين لفظه: {أَهْوَى} [النجم:53] بالإسقاط بعد الرَّفع، وفسَّره البخاريُّ بقوله: (ألقاه في هوَّة) قال العينيُّ: الهُوَّة: بضمِّ الهاء وتشديد الواو، وهو المكان العميق. انتهى.
          وتفسير البخاريِّ بإلقائها إلى هُوَّة ظاهرٌ، لأنَّ الأرض لمَّا رفعت صار محلُّها هوَّةً ثُمَّ إذا أسقطت في هذا المحلِّ أسقطت في هوَّةٍ وغارٍ. انتهى.
          قوله: (وإن كان جمع الذُّكور) كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: أشار بذلك إلى أنَّ الخوالف على هذا التَّقدير شاذٌّ. انتهى.
          وبسط توضيحه في «هامشه(6) اللَّامع» أشدَّ البسط، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((اثنتان)).
[2] في (المطبوع): ((وروى)).
[3] في (المطبوع): ((نزلتا)).
[4] في (المطبوع): ((لما)).
[5] في (المطبوع): ((كما هو مصرح)).
[6] في (المطبوع): ((هامش)).