الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

سورة الحج

           ░░░22▒▒▒ <سورة الحجِّ>
          سقطت البسملة في «النُّسخ الهنديَّة»، وبإثباتها في «نسخ الشُّروح»، قال العينيُّ: ذكر ابن مَرْدويه عن ابن عبَّاسٍ وابن الزُّبَير ♥ أنَّهما قالا: نزلت سورة الحجِّ بالمدينة، وقال مقاتلٌ: بعضها مكِّيٌّ أيضًا، وعن قتادة أنَّها مكِّيَّةٌ، وعنه: مدنيَّةٌ غير أربع آياتٍ، وعن عطاءٍ: إلَّا ثلاث آياتٍ منها قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج:19]، وقال هبة بن سلامة: هي مِنْ أعاجيب سور القرآن، لأنَّ فيها مكِّيًّا ومدنيًّا وسفريًّا وحضريًّا وحربيًّا وسِلميًّا وليليًّا ونهاريًّا وناسخًا ومنسوخًا. انتهى.
          قوله: (ويقال: أمنيته قراءته...) إلى آخره، قال الحافظ: هو قول الفرَّاء، قال التَّمَنِّي: التِّلاوة، قال: وقوله: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] قال الأمانيُّ: أن يفتعل الأحاديث، وكانت أحاديث يسمعونها مِنْ كبرائهم، وليست مِنْ كتاب الله، قال الفرَّاء: والتَّمنِّي أيضًا حديث النَّفس، قال أبو جعفرٍ النَّحَّاس في كتاب «معاني القرآن» له بعد أن ساق رواية عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ في تأويل الآية: هذا مِنْ أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجلِّه، ثُمَّ أسند عن أحمد بن حنبلٍ قال: بمصر صحيفةٌ في التَّفْسير رواها عليُّ بن أبي طلحة لو رحل رجلٌ فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا. انتهى.
          وهذه النُّسخة كانت عند أبي صالحٍ كاتب اللَّيث رواها عن معاوية بن صالحٍ عن عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ، وهي عند البخاريِّ عن أبي صالحٍ، وقد اعتمد عليها في «صحيحه» هذا كثيرًا على ما بيَّنَّاه في أماكنه، وهي عند الطَّبَريِّ وابن أبي حاتمٍ وابن المنذِر بوسائط بينهم وبين أبي صالحٍ. انتهى.
          وعلى تأويل ابن عبَّاسٍ هذا يُحمل ما جاء عن سعيد بن جُبيرٍ، وقد أخرجه بن أبي حاتمٍ والطَّبَريُّ وابن المنذر مِنْ طرقٍ عن شعبة عن أبي بشرٍ عنه قال: ((قرأ رسول الله صلعم بمكَّة: {وَالنَّجْمِ} [النجم:1] فلمَّا بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالثةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] ألقى الشَّيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهنَّ لترتجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية...)) إلى آخر ما بسط الحافظ الكلام في تحقيق هذه القصَّة إثباتًا ونفيًا، على(1) تقدير ثبوتها في ذكر توجيهاته أشدَّ البسط، وقد تقدَّم شيءٌ مِنَ الكلام عليه في أبواب سجود القرآن.
          وقال الكرمانيُّ: وما قيل: إنَّ ذلك بسبب إلقاء الشَّيطان في أثناء قراءة رسول الله صلعم لا صحَّة له عقلًا ولا نقلًا / قال الحافظ: بعد نقل كلام(2) الكرمانيِّ: هذا ومَنْ تأمَّل ما أوردته مِنْ ذلك عرف وجه الصَّواب في هذه المسألة بحمد الله تعالى. انتهى.
          وقلت(3): ومال القَسْطَلَّانيُّ أيضًا تبعًا للحافظ إلى صحَّة القصَّة إذ قال: والظَّاهر أنَّ سبب سجودهم ما أخرجه ابن أبي حاتمٍ والطَّبَريُّ وابن المنذر مِنْ طرقٍ عن شعبة عن أبي بشرٍ عن ابن جُبيرٍ عن ابن عبَّاسٍ، ثُمَّ قال بعد ذكر هذه القصَّة: وقد روى(4) مِنْ طرقٍ ضعيفةٍ ومنقطعةٍ لكنَّ كثرة الطُّرق تدلُّ على أنَّ لها أصلًا، مع أنَّ لها طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصَّحيح، وحينئذٍ فيتعيَّن تأويل ما ذكر، وأحسن ما قيل: إنَّ الشَّيطان قال ذلك محاكيًا نغمته النَّبيَّ صلعم عندما سكت صلعم بحيث سمعه مَنْ دنا إليه فظنَّها مِنْ قوله صلعم وأشاعها، ويؤيِّده تفسير ابن عبَّاسٍ {تَمَنَّى} [الحج:52] بـ(تلا). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وعلى)).
[2] في (المطبوع): ((الكلام)).
[3] في (المطبوع): ((قلت)).
[4] في (المطبوع): ((روي)).