الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

سورة النحل

           ░░░16▒▒▒ <سورة النَّحل
          ♫>
          وهكذا في «نسخة العينيِّ»: بتأخير البسملة عن سورة النَّحل، وفي «نسخة الفتح والقَسْطَلَّاني» بتقديم البسملة، وقالوا: سقطت البسملة لغير أبي ذَرٍّ.
          وقال العينيُّ: روى همَّامٌ عن قتادة أنَّها مدنيَّةٌ، وروى سعيدٌ عنه: أوَّلها مكِّيٌّ إلى قوله ╡: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل:41] ومِنْ هنا إلى آخرها مدنيٌّ، وقال السُّدِّيُّ مكِّيَّةٌ إلَّا آيتين: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126] وقال القُرْطُبيُّ: قال ابن عبَّاسٍ: هي مكِّيَّةٌ إلَّا ثلاث آياتٍ نزلت بعد قتل حمزة رضي الله تعالى عنه: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآيات [النحل:95] وقال السَّخَاويُّ: نزلت بعد الكهف وقبل سورة نوحٍ ◙. انتهى.
          قوله: {رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل:102] جبريل {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:193] قال الحافظ: أمَّا قوله: {رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل:102] جبريل، فأخرجه بن أبي حاتمٍ بإسنادٍ رجاله ثقاتٌ عن عبد الله بن مسعودٍ، وروى الطَّبَريُّ مِنْ طريق محمَّد بن كعبٍ القُرَظيِّ قال: {رُوحُ الْقُدُسِ} جبريل، وكذا جزم به أبو عُبيدة وغير(1) واحدٍ، وأمَّا قوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:193] فذكره استشهادًا لصحَّة هذا التَّأويل، فإنَّ المراد به جبريلُ اتِّفاقًا، وكأنَّه أشار إلى ردِّ ما رواه الضَّحَّاك عن ابن عبَّاسٍ قال: روح القدس الاسم الَّذي كان عيسى يحيى(2) به الموتى، أخرجه ابن أبي حاتمٍ وإسناده ضعيفٌ.
          قوله: (وقال غيره: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، هذا مقدَّمٌ ومؤخَّرٌ...) إلى آخره، المراد بالغير أبو عُبيدة، فإنَّ هذا كلامُه بعينه وقرَّرَه غيره فقال: إذا وَصَلَه بين الكلامين والتَّقدير: فإذا أَخَذْتَ في القراءة فاستعذ، وقيل: هو على أصله لكنْ فيه إضمارٌ، أي: إذا أردْتَ القراءة، لأنَّ الفعل يوجَد عند القصد مِنْ غير فاصلٍ، وقد أخذ بظاهر الآية ابنُ سِيرين، ونُقل عن أبي هريرة وعن مالكٍ وهو مذهب حمزة الزيَّات فكانوا يستعيذون بعد القراءة، وبه قال داود الظَّاهريُّ. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل:98] إلى آخره، فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، يعني: بحسب الظَّاهر ليس(3) ترتيب القراءة والاستعاذة على حسب ما ذُكر في الآية، بل الاستعاذة مقدَّمةٌ على القراءة وعلى هذا فلا تنافيَ بين تأويله وتأويل الجمهور: أنَّ المراد بالقراءة إرادتُها، بل معناهما واحدٌ، لأنَّ كلام المؤلِّف غير آبٍ عنه. انتهى.
          وفي «هامشه» عن «حاشية الجمل»: ووجه ما قال الجمهور أنَّ تقديم الاستعاذة على القراءة لتذهب الوسوسة عنه، أولى مِنْ تأخيرها عن وقت الحاجة إليها، ووجه مقابله أنَّ القارئ يستحقُّ ثوابًا عظيمًا وربَّما حصلت الوسوسة في قلبه فالاستعاذة بعد القراءة تدفع الوساوس. انتهى.
          قوله: ({شَاكِلَتِهِ} ناحيته) قال الحافظ: كذا وقع هاهنا، وإنَّما هو في السُّورة الَّتي تليها وقد أعاده فيها ووقع في رواية أبي ذَرٍّ عن الحمويِّ: <نيَّته> بدل (ناحيته) وسيأتي الكلام عليها هناك، وقال فيما سيأتي قوله: ({شَاكِلَتِهِ} [الإسراء:84] ناحيته) وصله الطَّبَريُّ عن ابن عبَّاسٍ عن مجاهدٍ قال: على طبيعته وعلى حِدته، وعن قتادة قال: يقول على ناحيته وعلى ما ينوي، وقال أبو عُبيدة: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء:84] أي: على ناحيته وخِلقته، ومنها قولهم: هذا مِنْ شكلِ هذا. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: / وليس هذا اللَّفظ مِنْ تلك السُّورة، ولعلَّ الوجه في إيراده هاهنا التَّنبيه على أنَّ قصده في القراءة لا ينبغي أن يكون إلَّا لله، وعلى هذا فالمناسب في ترجمة الشَّاكلة هاهنا هي النِّيَّة، وفيما سيأتي النَّاحية ليفيد فائدةً بعد فائدةٍ، والمناسب على هذا الوجه هاهنا نسخة <نيَّته> لا (ناحيته) فافهم. انتهى.
          وبسط في «هامشه» الكلام في شرح هذا اللَّفظ مِنَ الشُّروح ومِنْ كلام أهل اللُّغة.
          قوله: (السَّكَر ما حرُم مِنْ ثمرتها) كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: ولا يبعد أن يقال: إنَّ الامتنان بما لم يُسْكِر منها ولا شكَّ في جواز القدر الَّذي لا يُسْكِر منها فصحَّ الامتنان، أو يقال: إنَّ الآية مكِّيَّةٌ وتحريم المحرَّمات منها مدنيٌّ فصحَّ الامتنان وقت إنزال الآية. انتهى.
          وذكر في «هامشه» كلام الشُّرَّاح، وفيه أيضًا: فيها وفي «الجلالين»: وهذا قبل تحريمها، وفي «الجمل»: قوله: وهذا... إلى آخره، أي: الامتنان بأخذ السَّكر منها المقتضى لحلِّه إذ الامتنان بالشَّيء يقتضي حِلَّه، وفي الكَرْخيِّ: وهذا قبل تحريمها، جزم به اعتمادًا على قولهم في السُّورة أنَّها مكِّيَّةٌ إلَّا ثلاث آياتٍ مِنْ آخرها والمائدة مدنيَّةٌ وتحريم الخمر فيها، وهي آخر القرآن نزولًا، كما ثبت في الحديث. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وغيره)).
[2] في (المطبوع): ((يحيي)).
[3] في (المطبوع): ((وليس)).