الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

[سورة الفاتحة]

           ░░░1▒▒▒ قوله: (الرَّحْمَن الرَّحِيم: اسْمَان مِنَ الرَّحْمة...) إلى آخره.
          كتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: يعني أنَّ أصل معناهما ومادَّة اشتقاقهما واحدٌ، وإن كان الغالب في الفاعل استعماله مِنْ حيث الحدوثُ دون فَعيلٍ، ثُمَّ قد تُستعمل كلٌّ منهما موضع الآخر بتجريده عن المعنى الزَّائد على أصل معنى قيام الفعل به، وإنَّما استعمل لفظ الفعيل في الصِّفات الخلقيَّة لخلوِّها عن الحدوث بحسب أحوال المتَّصف به إذ لم يخلُ زمانٌ مِنْ أزمانه إلَّا وهي قائمةٌ به. انتهى.
          قال الحافظ: قوله: (اسمان مِنَ الرَّحمة) أي: مشتقَّان مِنَ الرَّحْمة، والرَّحْمَة لُغَةً: الرِّقَّة والانعِطَاف، وعلى هذا فوصفُه [به] تعالى به(1) مجازٌ عن إنعامه على عباده، وهي صفةُ فعلٍ لا صفةُ ذاتٍ.
          وقيل: ليس الرَّحمن مشتقًا، لقولهم: {وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60] وأجيب: بأنَّهم جهلوا الصِّفة والموصوف، ولهذا لم يقولوا: ومَنِ(2) الرَّحمن؟
          وقيل: هو عَلَمٌ بالغَلَبَة، لأنَّه جاء غير تابعٍ لموصوفٍ في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:60]، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء:110] وغير ذلك، وتعُقِّب بأنَّه لا يلْزم مِنْ مجيئه غيرَ تابعٍ ألَّا يكون صفةً، لأنَّ الموصوف إذا عُلم جاز حذفُه وإبقاء صفته. انتهى.
          قوله: (الرَّحِيم والرَّاحِم بمَعْنًى وَاحِدٍ) تقدَّم في كلام الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ، وإن كان الغالب في الفاعل استعماله مِنْ حيث الحدوث دون فَعيلٍ. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (بمعنًى واحدٍ) هذا بالنَّظر إلى أصل المعنى، وإلَّا فصيغة فعيلٍ مِنْ صِيغ المبالغة، فمعناها زائدٌ على معنى الفاعل، وقد تَرِد صيغة فعيلٍ بمعنى الصِّفة المشبَّهة، وفيها أيضًا زيادةٌ لدلالتها على الثُّبوت بخلاف مجرَّد الفاعل، فإنَّه يدلُّ على الحدوث، ويحتمل أن يكون المراد أنَّ فَعيلًا بمعنى فاعلٍ لا بمعنى مفعولٍ، لأنَّه قدير وبمعنى(3) مفعولٍ، فاحترز عنه. انتهى.
          وبسط الحافظ الكلام / على الفرق بينهما، فقيل: الرَّحمن أبلغُ لأنَّه يتناول جلائل النِّعم وأصولها، تقول: فلانٌ غضبان إذا امتلأ غضبًا، وأردف بالرَّحيم ليكون كالتَّتمَّة ليتناول ما دقَّ، وقيل: الرَّحيم أبلغ بما يقتضيه صيغة فَعيلٍ، والتَّحقيق أنَّ جهة المبالغة فيهما مختلفةٌ. انتهى مختصرًا.


[1] قوله: ((به)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((من)).
[3] في (المطبوع): ((لأنه قد يرد بمعنى)).