الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

سورة الأنعام

           ░░░6▒▒▒ <سورة الأنعام>
          هكذا في «النُّسخ الهنديَّة» بغير بسملةٍ، وزاد في «نسخ الشُّروح الثَّلاثة» بعدها البسملة، وقالوا: أسقطت(1) البسملة لغير أبي ذَرٍّ، وقال العينيُّ: ذكر ابن المنذر بإسناده عن ابن عبَّاسٍ قال: نزلت سورة الأنعام بمكَّة شرَّفها الله ليلًا جملةً وحولها سبعون ألف ملَكٍ يجأرون بالتَّسبيح، وعن مجاهدٍ: نزل معها خمس مئة ملَكٍ يزفُّونها ويحفُّونها، وفي تفسير أبي محمَّد بن إسحاق البُسْتيِّ: خمس مئة ألف ملَكٍ، ورُوي عن ابن عبَّاسٍ ومجاهدٍ وغيرهما: نزلت الأنعام بمكَّة إلَّا ثلاثَ آياتٍ فإنَّها نزلت بالمدينة وهي مِنْ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا} [الأنعام:151] إلى قوله: {تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] ثُمَّ ذكر أقوالًا في تعيين بعض تلك الآيات... إلى آخر ما ذكر في فضائل تلك السُّورة.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: وعند ابن مَرْدَويه عن أنسٍ مرفوعًا: نزلت سورة الأنعام معها موكبٌ مِنَ الملائكة سدَّ ما بين الخافقين لهم زجلٌ بالتَّسبيح والأرضُ بهم ترتجُّ، ورسول الله صلعم يقول: (سبحان الله الملِكِ العظيم). انتهى. / قوله: (وقال ابن عبَّاسٍ: {فِتْنَتُهُمْ} [الأنعام:23] معذِرَتهم) وفي نسخة «الفتح» قبله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} [الأنعام:23] قال الحافظ: وصله ابن أبي حاتمٍ مِنْ طريق ابن جُرَيجٍ عن عطاءٍ عنه، وقال مَعمرٌ عن قتادة: فتنتهم مقالتهم، قال: وسمعت مَنْ يقول: معذرتهم، أخرجه عبد الرَّزَّاق. انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: (معْذِرتهم) بحذف المضاف، أي: معذرة فتنتهم، أي: جريرتهم الَّتي ارتكبوها في الدُّنيا.
          وقوله: ({وَلَلَبَسْنَا} [الأنعام:9] لشبَّهنا) أي: لو أنزلنا ملكًا لأنزلناه بصورة إنسان، إذ لا طاقة لهم برؤيته مع أنَّه لو أُنزل على هيئته وصورته لم يتأتَّ الخلط والتَّباسط المتوقِّف عليه التَّعليم والتَّعلُّم، فإذا لم ينزل في صورته ونزل في صورة إنسٍ عاد المحظور كما كان، وصار السُّؤال واردًا، كما ورد على إرسال الإنس نفسه.
          وقوله: (البسط: الضَّرب) يعني أنَّ المراد بالبسط هاهنا الضَّرب.
          وقوله:(سرمدًا: دائمًا) الظَّاهر أنَّ المصنِّف قصد بذلك دفع ما يردُّ على ظاهر آيتي الأنعام والقصص مِنْ توهُّم معارضةٍ حيث قال في الأولى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام:96] وهو يقتضي اتِّصاف اللَّيل بالسُّكون والقرار، وأيضًا فاللَّيل كثيرًا ما يتَّصف بالسَّرمد فيقال: ليلٌ سرمدٌ، وصرَّح في الثَّانية بنقضيهما(2) وعدم قرارها حيث قال: {(3)أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} الآية [القصص:71]، وحاصل الدَّفع أنَّ {سَرْمَدًا} هاهنا وإن كان للدَّوام إلَّا أنَّ السَّرمد في صفة اللَّيل ليس بمعنى الدَّوام وإنَّما هو مجازٌ عن الطُّول، وكذلك السَّكن صفةٌ ليس باعتبار ما فيه لا بحسب نفسه، لأنَّ كلَّ ما فيه مِنَ الأناسيِّ والدَّواب يسكن فيه فلو كان اللَّيل ساكنًا بنفسه لسرمد اللَّيل ولم ينتقض(4)، وليس كذلك، والله أعلم. انتهى كلُّه مِنَ «اللَّامع».
          وفي «هامشه»: قال الحافظ: كذا وقع هاهنا، وليس هذا في الأنعام، وإنَّما هو في سورة القصص، قال أبو عُبيدة في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} [القصص:71] أي: دائمًا، قال: وكلُّ شيءٍ لا ينقطع فهو سرمدٌ، وقال الكرمانيُّ: كأنَّه ذكر(5) هاهنا لمناسبة قوله تعالى في هذه السُّورة: {وَجَعَلَ(6) اللَّيْلَ سَكَنًا} انتهى.
          وتبع الكرمانيُّ في ذلك الحافظَ والقَسْطَلَّانيَّ مِنْ أنَّه ذكره هاهنا لمناسبة آية سورة الأنعام، وإلَّا فلا وجه لذكره هاهنا، وأجاد الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في توجيه ذكرِه هاهنا بأنَّه أشار إلى رفع التَّعارض في الآيتين بأنَّ السُّكون والقرار في الآية ليس بمعنى الدَّوام كما يُتوهَّم مِنْ قولهم: ليلٌ سرمدٌ، بل هو مجازٌ عن الطُّول. انتهى مِنْ «هامشه».
          قوله: ({الصُّوَرِ})_بضمِّ الصَّاد وفتح الواو_ في قوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّوَرِ} [الأنعام:73] (جماعة صورة كقوله: سورة وسُوَر) قال ابن كثيرٍ: والصَّحيح أنَّ المراد بالصُّور القرآن(7) الَّذي يَنفخ فيه إسرافيلُ ◙ للأحاديث الواردة فيه. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          قلت: وبه جزم المصنِّف في كتاب الرِّقاق إذ قال: (باب: نفخ الصُّور)، قال مجاهدٌ: الصُّور كهيئة البوق. انتهى.
          قال الحافظ: قال أبو عُبيدة: في قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام:73] يقال: إنَّها جمع صورة ينفخ فيها روحُها فتحيا بمنزلة قولهم: سور المدنية واحدها سورة. انتهى.
          والثَّابت في الحديث أنَّ الصُّور قرنٌ يُنفخ فيه، وهو واحدٌ لا اسمُ جمعٍ، وحكى الفرَّاء الوجهين وقال في الأوَّل: فعلى هذا فالمراد النَّفخ في الموتى، وذكر الجوهريُّ في «الصِّحَاح» أنَّ الحسن قرأها بفتح الواو. انتهى.
          قوله: (رَهَبُوتٌ خيرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ...) إلى آخره، وكذلك قوله: (ترهب...) إلى آخره، حاصله أنَّ مَقام الخشية أعلى وأفضل مِنْ مَقام الرَّجاء، فإنَّ الخاشيَ يتكلَّف مِنَ الأعمال والمشاقِّ(8) ما لا يتحمَّله(9) الرَّاجي، فأنذر أكثر مِنَ الإبشار. انتهى مِنَ «اللَّامع».
          وفي «تقرير المكِّيِّ»: قوله: (الملك) يريد أنَّ الواو والتَّاء مزيدتان للمبالغة كما في رهبوت ورحموت، ثُمَّ أورد ما كان هاهنا مِنَ المثل المشهور، فقال: (رهبوتٌ خيرٌ مِنْ رحموتٍ) ثُمَّ فسَّر هذا المثل بقوله: (وتقول: ترهب...) إلى آخره يريد أنَّ الرَّهبوت والرَّحموت مصدران مجهولان، وحاصل معناه أنَّك إن تُرْهِب وتؤدِّبْ في أمر / خير كتعلُّم الدِّين مثلًا أولى لك مِنْ أن تَرحم فتترك عنه. انتهى.
          وبسط في «هامش اللَّامع» الكلام في الرَّجاء والخوف وأيَّهما أفضل مِنْ كلام الغزالي في «إحياء العلوم» و«شرحه» وغيره، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((سقطت)).
[2] في (المطبوع): ((بنقضها)).
[3] زاد في (المطبوع): ((قل)).
[4] في (المطبوع): ((ينْقضِ)).
[5] في (المطبوع): ((ذكرها)).
[6] في (المطبوع): ((وجاعل)).
[7] في (المطبوع): ((القرن)).
[8] في (المطبوع): ((المشاقَّ)).
[9] في (المطبوع): ((يحتمله)).