الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: أمر النَّبي اليهود ببيع أرضيهم

          ░107▒ (باب: أمر النَّبيِّ صلعم اليَهُود بِبَيْع أرَضِيهم...) إلى آخره
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: هذا لا يصحُّ لأنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما أمرُهم أنَّ الأرض لله ولرسوله، فتحمَّلوا ما شئتم، ولا بدَّ مِنْ تأويل في كلام البخاريِّ هذا، وهو أن يقال: لمَّا أمر النَّبيُّ صلعم اليهود ببيع أرَضيهم أنَّهم لا يملكونه، ومثل ذلك ممَّا لا يخفى على المتفطِّن، والله أعلم.
          وبسط في «هامشه» الكلام عليه.
          وفي «الفيض»: اعلم أنَّ بني النضير لمَّا أُجْلُوا قيل لهم أن بيعوا المنقولات مِنْ أموالكم، وأمَّا الأراضي فهي لله ولرسوله، هكذا في كتب السِّير عامَّة، ويمكن أن يكون أمر بعضهم ببيع الأراضي أيضًا كما في ترجمة البخاريِّ. انتهى.
          وفي «هامش الفيض» قلت: وفي مذكَّرة أخرى عندي عن الشَّيخ أنَّ الأمر ببيعها لم يكن ببني النَّضير، فإنَّ أراضيهم كانت فيئًا، وهو لله ولرسوله، وترجمة المصنِّف مبهمة لا ينفصل منها شيء. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (فيه المَقْبُرِي) أي: حديثه المرويُّ في (باب: إخراج اليهود مِنْ جزيرة العرب) مِنْ كتاب الجهاد ولفظه: ((بينما نحن في المسجد خرج النَّبيُّ صلعم فقال: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ فخرجنا حتَّى جئنا بيت المدراس، فقال: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ للهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هذه الأَرْض، فمَنْ يجد مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ)) قال الزَّرْكَشِي وغيره: إنَّ اليهود هم بنو النَّضير، والظَّاهر أنَّهم بقايا مِنَ اليهود تخلَّفوا بالمدينة بعد إجلاء بني قَيْنُقاع وقُرَيظة والنَّضير.
          وقال الحافظ: وغفل الكَرْمَانيُّ عن الإشارة إلى هذا الحديث، فقال: إنَّما ذكر البخاريُّ هذا الحديث بهذه الصِّيغة مقتضيًا لأنَّه لم يثبت الحديث المذكور على شرطه، والصَّواب أنَّه اكتفى هاهنا بالإشارة إليه لاتِّحاد مخرجه عنده ففرَّ مِنْ تكرار الحديث على صورته لغير فائدة زائدة كما هو الغالب مِنْ عادته(1) [انتهى].
          وقالَ العَينيُّ: التَّكرار حاصل على ما لا يخفى مع أنَّ ذكر هذا لا دخل له في كتاب البيوع، ولهذا سقط هذا في بعض النُّسخ. انتهى.
          قال ابن المنيِّر: والعجب أنَّ ترجمة البخاريِّ هنا على بيع اليهود وأرضهم(2)، ولم يذكر فيه إلَّا حديث أبي هريرة وليس فيه للأرض ذكر، إلَّا أن يكون أخذ / ذلك بطريق العموم مِنْ قوله: ((فمن يجد منكم بماله شيئًا)) والمال أعمُّ مِنَ الأرض فتدخل فيه، وهذا الباب ساقط مِنْ بعض النُّسخ(3). انتهى.
          ويظهر مِنْ كلام العينيِّ أنَّه ╕ أجاز لهم أوَّلًا ببيع كل شيء ودخل فيه الأرَضون وأمرهم بالجلاء وأبَوا ذلك لوعد المنافقين لهم، فأمرهم ثانيًا ببيع كلِّ شيء غير الأرَضين.


[1] فتح الباري:4/419
[2] في (المطبوع): ((أرضهم)).
[3] إرشاد الساري:4/109