الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب بيع المزايدة

          ░59▒ (باب: بَيْعِ المُزَايَدة)
          أراد الإمام البخاريُّ في هذه التَّرجمة استثناء بيع المزايدة وأنَّه لا يدخل في النَّهي عن البيع على بيع أخيه.
          قال الحافظ: لمَّا تقدَّم في الباب قبله النَّهي عن السَّوم أراد أن يبيِّن موضع التَّحريم منه، وقد أوضحته في الباب الَّذِي قبله.
          وأشار بذلك إلى ما قال قبل ذلك، ومحلُّه بعد استقرار الثَّمن وركون أحدهما إلى الآخر، فإن كان ذلك صريحًا فلا خلاف في التَّحريم وإن كان ظاهرًا(1) ففيه وجهان للشَّافعيَّة، ونقل ابن حزم اشتراط الرُّكون عن مالك وقال: إنَّ لفظ الحديث لا يدلُّ عليه، وتُعُقِّب بأنَّه لا بدَّ مِنْ أمر مبيِّن لموضع التَّحريم في السَّوم لأنَّ السَّوم في السِّلعة الَّتِي تُباع فيمن يزيد لا يحرُم اتِّفاقًا كما نقله ابن عبد البرِّ، فتعيَّن أنَّ السَّوم المحرَّم ما وقع فيه قَدْر زائد على ذلك، ثمَّ قال: وورد في البيع فيمن يزيد حديث أنس: ((أنَّه صلعم باع حِلْسًا وقَدَحًا)) الحديث أخرجه أحمد وأصحاب «السُّنن» مطوَّلًا ومختصرًا(2).
          وكأنَّ المصنِّف أشار بالتَّرجمة إلى تضعيف ما أخرجه البزَّار مِنَ النَّهي عن بيع المزايدة، فإنَّ في إسناده ابنَ لَهِيعَة، وهو ضعيف، ثمَّ أورد المصنِّف حديث جابر في بيع المدبَّر، واعترضه الإسماعيليُّ فقال: ليس فيه بيع المزايدة.
          وأجاب ابن بطَّالٍ بأنَّ شاهد التَّرجمة قوله في الحديث: (مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟) قال: فعرضه للزِّيادة ليستقصي(3)(4) فيه للمفلس الَّذِي باعه عليه. انتهى مختصرًا.
          وأجاب شيخ مشايخنا الدِّهْلويُّ في «تراجمه» عن تعقُّب الإسماعيليِّ بأنَّه استدلَّ البخاريُّ على جواز المزايدة بهذا الحديث اقتضاء، كأنَّه يقول: كان الَّذِي دبَّره مفلسًا محتاجًا وبيع المفاليس لا يكون [إلَّا] بالمزايدة، وأيضًا فإنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا رأى أنَّه لا يهتدي لأمره تولَّى البيع مِنْ قِبَلِهِ كما يتولَّى الوليُّ عقود الصَّبيِّ، فلو زاد أحد مِنْ أحد كانت الغبطة ظاهرة، فلم يخبر النَّبيُّ صلعم إلَّا البيع. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((ظاهر)).
[2] فتح الباري:4/353 مختصرا
[3] في (المطبوع): ((ليستقضي)).
[4] كذا في الأصل وفي الفتح: ليستقضي، فتح الباري:4/355