الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي

          ░98▒ (باب: إذا اشترى شيئًا لغَيْرِه بغير إذْنِه فَرَضِي)
          هذه التَّرجمة معقودة لبيع الفضوليِّ، وقد مال البخاريُّ فيها إلى الجواز. انتهى مِنَ «الفتح».
          وهكذا في العَينيِّ إذ قال: أشار به البخاريُّ إلى بيع الفضوليِّ.
          قلت: هذا مشكِلٌ، فإنَّ نصَّ التَّرجمة أنَّها منعقدة الشِّراء(1) الفضوليِّ دون البيع.
          وقال ابن رشد في «البداية»: اختلفوا في بيع الفضوليِّ وشرائه، فمنعَه الشَّافعيُّ في الوجهين جميعًا، وأجازه مالك في الوجهين جميعًا، وفرَّق أبو حنيفة بين البيع والشِّراء فقال: يجوز البيع ولا يجوز الشِّراء، وعمدة المالكيَّة حديثُ عُرْوَة البَارِقيِّ / في الأضحيَّة، ووجه الاستدلال منه أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يأمره في الشَّاة الثَّانية لا بالشِّراء ولا بالبيع، فصار ذلك حجَّة على أبي حنيفة في صحَّة الشِّراء للغير، وعلى الشَّافعيِّ في الأمرين جميعًا. انتهى.
          وقالَ الموفَّق: مَنْ باع مال غيره بغير إذنه فالصَّحيح مِنَ المذهب أنَّ البيع باطل، وفيه رواية أخرى أنَّه صحيح، ويقف على إجازة المالك، فإن لم يجزْه بطل، وإن أجازه صحَّ.
          قالَ العَينيُّ بعد ذكر الحديث: وفيه جواز بيع الإنسان مالَ غيره بطريق الفضول، والتَّصرُّف فيه بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك، ولهذا عقد البخاريُّ التَّرجمة، وقال بعضهم _الحافظ_: طريق الاستدلال به يبتنى(2) على أنَّ شَرْع مَنْ قبلَنا شرعٌ لنا، والجمهور على خلافه(3).
          قالَ العَينيُّ: شرعُ مَنْ قبلَنا يلزمنا ما لم يخصَّ الشَّارع الإنكارَ عليه، وهاهنا طريق آخر في الجواز، وهو أنَّه صلعم ذكر هذه القصَّة في معرض المدح والثَّناء على فاعلها، وأقرَّه على ذلك، ولو كان لا يَجُوز لَبَيَّنه. انتهى.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ تبعًا للحافظ: وطريق الاستدلال به ينبني على أنَّ شرع مَنْ قبلَنا شرعٌ لنا، والجمهور على خلافه، لكن تقرَّر أنَّ النَّبيَّ صلعم ساقه سياق المدح والثَّناء على فاعله وأقرَّه على ذلك، ولو كان لا يجوز لبيَّنَه، فبهذا التَّقرير يصحُّ الاستدلال به لا بمجرَّد كونه شَرْعَ مَنْ قبلَنا. انتهى.
          ثمَّ اعلم أنَّ العلماء اختلفوا في الرِّبح لمن هو إذا تصرَّف في مال الغير، ذكره العلَّامة العينيُّ هاهنا، وسيأتي في البخاريِّ في (باب: إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وكان في ذلك صلاحٌ لهم) فانتظره.


[1] في (المطبوع): ((لشراء)).
[2] في (المطبوع): ((يبتني)).
[3] فتح الباري:4/409