الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: كم يجوز الخيار؟

          ░42▒ (باب: كَم يَجُوزُ الخِيَار؟)
          قال صاحب «الفيض»: وقد كان يخطر بالبال أنَّ في تراجمه سوء ترتيب، فإنَّه قد تعرَّض إلى كيفيَّات الخيار قبل تقرُّر حقيقته، والَّذي يتبادر إلى الذِّهن أن يترجم أوَّلًا على نفس(1) الخيار ثمَّ إلى سائر كيفيَّاته، وتبيَّن آخرًا أنَّ المصنِّف جعل الخيار في البيع أصلًا، وعدمَه تبعًا على خلاف نظر الحنفيَّة، فإذا كان الخيار عنده أصلًا لم يرَ حاجة إلى تقديمه، لكونه مفروغًا منه عنده ودخل في فروعه. انتهى.
          قلت: فالمصنِّف ☼ بدأ مِنْ هاهنا مسألة الخيار، وبسط الكلام على أنَّواع الخيار في «الأوجز»، وفيه: قال ابن قُدامة في «الشَّرح الكبير»: إنَّ الخيار في البيع على سبعة أقسام، ثمَّ بسطها، والمعروف في كتب الفقهاء الحنفيَّة ثلاث خيارات: خيار الشَّرط، والرُّؤية، والعيب، لكنَّ في الشُّروح وغيرها أكثرَ مِنْ ذلك، فقد ذكرها ابن نُجيم ثلاثة عشر(2)، وفي «الدُّرِّ المختار» أنَّ الخيارات بلغت سبعة عشر نوعًا.
          قال الحافظ: الخيار: طلب خير الأمرين مِنْ إمضاء البيع أو فسخه، وهو خياران: خيار المجلس وخيار الشَّرط، والكلام هنا على خيار الشَّرط، والتَّرجمة معقودة لبيان مقداره، وليس في حديثَي الباب بيان لذلك.
          قال ابن المنيِّر: لعلَّه أخذ مِنْ عدم تحديده في الحديث أنَّه لا يتقيَّد، بل يفوِّض الأمر فيه إلى الحاجة لتفاوت السِّلع في ذلك، ويحتمل أن يكون مراد البخاريِّ / بقوله: (كم يجوز الخيار؟) أي: كم يخيِّر أحد المتبايعين الآخر مرَّة؟ وأشار إلى ما في الطَّريق الآتية بعد ثلاثة أبواب مِنْ زيادة همام (ويختار ثلاث مِرار) لكن لمَّا لم تكن الزِّيادة ثابتة أبقى التَّرجمة على الاستفهام كعادته. انتهى.
          قلت: وتعقَّب على الاحتمال الثَّاني العلَّامةُ العينيُّ وقال: لأنَّ لفظه (كم) موضوعة للعدد، والعدد في مدَّة الخيار لا في تخيير أحد المتبايعين الآخر.
          واختلفوا في مدَّة الخيار: فعند الحنفيَّة والشَّافعيَّة مؤقَّتة بثلاث أيَّام، وأنكر مالك التَّوقيت في ثلاثة أيَّام بغير زيادة، قال: أمدُ كلِّ شيء بحسبِه، فللدَّابَّة مثلًا والثَّوب يوم أو يومان، وللجارية جمعة، وللدَّار شهر، وقال أبو يوسف ومحمَّد وأحمد وإسحاق: إنَّه لا أمد لمدَّة خيار الشَّرط بل البيع جائز، والشَّرط لازم إلى الوقت الَّذِي يشترطانه(3). انتهى ملخَّصًا مِنَ «الفتح».


[1] في (المطبوع): ((نفسه)).
[2] في (المطبوع): ((عشرة)).
[3] فتح الباري:4/328