الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ذكر القين والحداد

          ░29▒ (باب: ذكر القَيْن والحَدَّاد)
          قال الحافظ: قال ابن دريد: أصل القين الحدَّادُ ثمَّ صار كلُّ صائغ عند العرب قَيْنًا، فقال الزَّجَّاج: القين: الَّذِي يُصلح الأَسِنَّة، والقين أيضًا: الحدَّاد، وكأنَّ البخاريَّ اعتمد القول الصَّائر إلى التَّغاير بينهما، / وليس في الحديث الَّذِي أورده في الباب إلَّا ذكر القين، وكأنَّه ألحق الحدَّاد به في التَّرجمة لاشتراكهما في الحكم. انتهى.
          وتعقَّب عليه العلَّامة العينيُّ فقال: لا يحتاج إلى هذا التَّكلُّف، والوجه أنَّ القين يُطلق على معان كثيرة يُطلق على العبد والأَمَة، فعطف الحدَّاد على القَين ليعلم أنَّ مراده مِنَ القين هو الحدَّاد. انتهى.
          وتبعه القَسْطَلَّانِيُّ وجعل العطف تفسيريًّا، وقد عرفت فيما سبق أنَّ غرض المصنِّف بهذه التَّراجم بيان جواز هذه الحِرف.
          ولا يبعد عندي أنَّ الإمام البخاريَّ أشار بالتَّرجمة إلى ما سيأتي قريبًا في (باب: العطَّار): (مثلُ الجليس السُّوء كمثل كير الحدَّاد يحرق بيتك...) إلى آخره، فهذا يوهم قَبَاحة حِرفة الحدَّاد، وأيضًا أخرج أبو داود: ((أنَّ رَجلًا جاء إلى النَّبيِّ صلعم وعليه خاتم مِنْ حديد، فقال: مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّار))... الحديث، وهذا أيضًا يوهم أنَّ الحدَّاد صائغ لحلية أهل النَّار، فنبَّه الإمام البخاريُّ بالتَّرجمة والحديث على كونهما(1) مِنْ حِرف بعض الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين.


[1] في (المطبوع): ((كونها)).