الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما قيل في اللحام والجزار

          ░21▒ (باب: ما قيل: في اللَّحَّام والجزَّار)
          قال الحافظ: كذا وقعت هذه التَّرجمة هاهنا، وفي رواية ابن السَّكَن بعد خمسة أبواب، وهو أليق لتتوالى تراجم الصِّناعات. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ بعد ذكر قول الحافظ: قلت: توالي التَّراجم إنَّما هو أمر مهمٌّ، والبخاريُّ لا يتوقَّف غالبًا في رعاية التَّناسب بين الأبواب. انتهى.
          وقالَ السِّنْديُّ: قوله: (باب: ما قيل...) إلى آخره، أي: هل لكسبهما أصل بأن كانا وقت النَّبيِّ صلعم وقرَّرهما على ذلك، أو هو مِنَ الأمور الحادثة؟ انتهى.
          قلت: ولعلَّ غرض المصنِّف الرَّدُّ على مَنْ قال بكراهة هذه الحرفة كما ذكره في «الأنوار لأعمال الأبرار» وفيه كسب المكناس والزبَّال(1) والدَّبَّاغ والقصَّاب والخاتن / مكروه. انتهى.
          وقد أخرج أبو داود مِنْ حديث عمر: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((إنِّي وهبت لخالتي غلامًا، وأنا أرجو أن يبارَك لها فيه، فقلت لها: لا تُسْلِميه حجَّامًا ولا صائِغًا ولا قصَّابًا))(2) وذلك لأنَّ الحديث ضعيف لأنَّ في سنده أبا ماجدة، وهو مجهول كما في «التَّقريب»، وقال المنذريُّ: في طرقه محمَّد بن إسحاق، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه. انتهى.
          والأوجَهُ عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ الإمام البخاريَّ لم يذكر هذه التَّرجمة هاهنا مِنْ حيثُ الصِّناعة حتَّى يقال: إنَّه ذكرها في غير محلِّها، بل هذه التَّرجمة نظير لبيع الخِلط مِنَ التَّمر، وكأنَّ المصنِّف أشار بذلك إلى جواز بيع اللُّحوم مع العظام دفعًا لِما يُتوهَّم أنَّ مَنْ يبيع اللَّحم لا يجوز له أن يُدخل العظام في الوزن لأنَّ اللَّحم مع العظام كالخِلط مِنَ التَّمر، بل في هذه التَّرجمة ترقٍّ مِنَ التَّرجمة الأُولى لأنَّ رديء التَّمر هو مِنْ جنس التَّمر الأعلى، والعصب والعظم ليسا مِنْ جنس اللَّحم، ومع ذلك يباعان مع اللَّحم.
          وما يظهر مِنْ كلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» أنَّ الغرض مِنَ التَّرجمة: بيان جواز بيع اللَّحم من(3) تلبُّسه بالدَّم. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          ثمَّ التَّرجمة مشتملة على جزأين: اللحَّام والجزَّار، والمذكور في الحديث واحد منهما، أي: الجزَّار، فإنَّ القصَّاب: هو الجزَّار، كما قال الشُّرَّاح، وحاصل ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» أنَّ إثبات الجزء(4) الثَّاني مِنَ التَّرجمة بطريق المقايسة.
          وقالَ العلَّامةُ العَينيُّ: مطابقته للتَّرجمة في قوله: (لغلام له قصَّاب) قالَ القُرْطُبيُّ: اللحَّام هو الجزَّار، والقصَّاب على قياس قولهم: عطَّار وتمَّار للَّذي يبيع ذلك، فهذا كما رأيت جعل اللحَّام والجزَّار والقصَّاب بمعنًى واحد، وعلى هذا تحصل المطابقة بين التَّرجمة والحديث(5). انتهى.
          ثمَّ ذكر العينيُّ الفرق بين هذه الثَّلاثة بحسب العُرف.


[1] في (المطبوع): ((والذبال)).
[2] سنن أبي داود في البيوع، باب في الصائغ، (رقم: 3430)
[3] في (المطبوع): ((مع)).
[4] في (المطبوع): ((الجزاء)).
[5] عمدة القاري:11/197