الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا ولم ينكر

          ░47▒ (باب: إذا اشترى شيئًا فَوَهَب مِنْ ساعته...)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: كأنَّه قاس على الهبة البيعَ فكما جازت هبة المشتري قبل قبضه فكذلك البيع، وإنَّما منعه أبو حنيفة ⌂ لقوله ╕: ((لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)) لورود(1) النَّهي عن بيع الطَّعام قبل القبض، وقد قال ابن عبَّاس: أحسب كلَّ شيء مثله، مع أنَّ العلَّة وهي كون المبيع مظنَّة الهلاك يشمل كلَّ شيء إلَّا العقارات، فوجب تعميم الحكم.
          ولا يبعد أن يقال _والله أعلم بحقيقة الحال_ إنَّ غرض البخاريِّ ☼ منها ليس إثبات جواز الهبة بخصوصها، بل المقصود بيان بعض التَّصرُّفات الجائزة قبل القبض كالعِتق مثلًا والهبة على رأيه، والبيع مُطْلقًا على رأي طاوس كما ذكره ☼، فكان مِنْ جزئيَّاته بيعُ المبيع مِنَ البائع ولو قبل قبض البائع الثَّمن والمشتري المبيع، وإن كان مشروطًا بكونه على الثَّمن الأوَّل على ما ذكروه في باب الإقالة، وعلى هذا فلا يضرُّنا أثر ابن عمر ☺ (2) على التَّأويل الَّذِي ذكرنا مِنْ حمل الخيار على الاستحباب، والله أعلم. انتهى.
          وبسط في «هامشه» الكلام على شرح كلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه.
          قلت: قصَّة عمر في الإبل الصَّعب لمَّا كان مخالفًا لمن قال بخيار المجلس أوَّلها المصنِّف بهذه التَّرجمة وأشار إلى الجواب بأنَّ سكوت البائع يكفي، وأشكل بأنَّه صلعم لم يكن له حقٌّ في التَّصرُّف لِما فيه خيار لغيره، وأجاب عنه الحافظ بأنَّه واقعة لا نعلم حقيقتها، وأوَّله الشَّافعيَّة بوجوه أخر ذكره في «الفتح».
          والعجب مِنَ الإمام البخاريِّ أورد على الأحناف في كتاب الإكراه في (باب: إذا أُكره حتَّى وهب عبدًا أو باعه لم يجزْ، وبه قال بعض النَّاس...) إلى آخره، وحاصله أنَّه ألزم الحنفيَّة: أنَّهم لا يجوِّزون بيع المكرَهِ وهبَتَهُ ومع ذلك قالوا: لو نذر المشتري في ذلك الشَّيء المشترى أو دبَّره لو كان عبدًا أنَّه جائز، فأثبت التَّعارض والتَّناقض بين قولهم مِنْ عدم جواز البيع مع جواز تصرُّف المشتري، فأنا أقول: إنَّه يَرِدُ مثل ذلك هاهنا على الإمام البخاريِّ ومَنْ وافقه ممَّن قالوا بخيار المجلس مِنْ أنَّهم لمَّا أثبتوا خيار المجلس للبائع فكيف جاز عندهم تصرُّف المشتري في ذلك؟ فتأمَّلْ.


[1] في (المطبوع): ((ولورود)).
[2] في (المطبوع): ((عنهما)).