الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب جلود الميتة قبل أن تدبغ

          ░101▒ (باب: جلود الميتة قَبْل أن تُدْبَغ)
          أي: هل يصحُّ بيعُها أم لا؟ وأورد فيه حديث ابن عبَّاس في شاة ميمونة، وكأنَّه أخذ جواز البيع مِنْ جواز الاستمتاع لأنَّ كلَّ ما يُنتفع به يصحُّ بيعه، وما لا فلا، وبهذا يجاب عن اعتراض الإسماعيليِّ بأنَّه ليس في / الخبر الَّذِي أورده تعرُّض للبيع، وانتفاع جلود الميتة(1) مُطْلقًا قَبل الدِّباغ وبَعده مشهور مِنْ مذهب الزُّهْريِّ، وكأنَّه اختيار البخاريِّ. انتهى مِنَ «الفتح».
          قال صاحب «الفيض» تحت الباب: وهذا البيع لا يجوز عندنا، كما في «الهداية». انتهى.
          قلت: والمسألة خلافيَّة.
          قالَ العَينيُّ: قالَ الطَّحاويُّ: قال اللَّيث: لا بأس ببيع جلود الميتة قبل الدِّباغ لأنَّ النَّبيَّ صلعم أذن في الانتفاع بها، والبيع مِنَ الانتفاع، قال أبو جعفر: لم يُحْكَ عن أحدٍ مِنْ الفقهاء جوازُ بيع جلد الميتة قبل الدِّباغ إلَّا عن اللَّيث، قال ابن عمر: (2)، يعني: (مِنَ الفقهاء) أئمَّة الفتوى بالأمصار بعد التَّابعين لأنَّ ابن شهاب ذاك عنه صحيح، وقد ذكر ابن عبد الحكم عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك، قال: مَنِ اشترى جلد ميتة فدبغه فقطعه نعالًا فلا يبيعه حتَّى ييبس، فهذا يدلُّ على أنَّ مذهبه يجوز بيع جلد الميِّتة قبل الدِّباغ وبعده، وهو ظاهر مذهب مالك وغيره(3). انتهى.
          قلت: وبسط الكلام على حديث الباب والأبحاث المتعلِّقة به في «الأوجز».
          وذُكر فيه عن النَّوويِّ اختلاف العلماء فيه على سبعة أقوال، كما في «هامش اللَّامع».
          وأمَّا مذاهب الأئمَّة الأربعة، فمذهب الشَّافعيِّ أنَّه يطهر بالدِّباغة جميعُ جلود الميتة إلَّا الكلبَ والخنزيرَ، والمتولِّدَ مِنْ أحدهما، ويطهر ظاهرُ الجلد وباطنه، وعند أحمد _وهو أشهر الرِّوايتين عنه وإحدى الرِّوايتين عن مالك_: لا يطهر شيء مِنَ الجلود بالدِّباغ، ومذهب أبي حنيفة أنَّه تطهر جلود جميع الميتات إلَّا الخنزير، والمشهور في مذهب مالك أنَّه يطهر الجميع إلَّا أنَّه يطهر ظاهره دون باطنه، ويُستعمل في اليابسات دون المائعات، ويصلَّى عليه لا فيه. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] في الفتح: والانتفاع بجلود الميِّتة، فتح الباري:4/414
[2] كذا في الأصل (ز)
[3] عمدة القاري: ج9/89